الأخوات والأخوة!
الاتّحاد العام للكتّاب الفلسطينيّين – الكرمل48 وبالتعاون مع المجلس المحلّي كفر قرع، يطلق اليوم المهرجانَ الأوّل للقراءات الأدبيّة، نعم الأوّلُ الذي يحمل عنوانًا وليس مجرّد عنوان “البقاء والانتماء” إذ أنّه مرتبطٌ بأيّار النكبة وتداعياتها على شعبنا وطنيّا وثقافيّا وطنيّا.
أمسيات كثيرة شعريّة شهدتها ساحاتُنا المختلفة على مدى سبعين عامًا ونيّف ونحن لا ننكرُها على أحد؛ لا على نادٍ ولا على مؤسّسة، ولكن مهرجانَنا هذا، هذه التظاهرة الثقافيّة، هو عودة إلى البدايات حين كان رعيلُنا الأوّل يعقدها في الساحات العامّة شدّا لأزر وهِمم أقليّة تقطّعت أوصالُها أيدي سبأ، رعيلٌ تحمّل الحملين؛ الأوّل: حملُ الجيبة شبهِ الفارغة واقتصاصًا من لقمة العيش الزهيدة أصلًا، دون أن ينتظرَ مدَّ يده رافعًا تقريًرا ماليّا لمموّل، والثاني: حِملُ أقبية التحقيق الظلاميّة.
يستكثر علينا البعضُ أن نكون روّادًا ولكنّا نقول أنّ رّيادتَنا كإطار أدبيّ ليست شعاراً بل عملًا:
هل كان قبلَنا من حمل اليوم العالميّ للغة العربيّة، ال-18 كانون الأوّل، رسالة لآلاف طلّابنا في عشرات مدارسنا، تجذيرًا للغتنا وما تحمل من معاني الهويّة؟!
هل كان قبلنا من أطلق فصليّةً أدبيّة تصدر تباعًا داخلةً عامَها الثامنَ؛ “شذى الكرمل”؟!
هل كان قبلنا من أطلق صحيفةً الكترونيّة ما لبثت أن صارت قبلةً للكثير من الأقلام العربيّة من العالم العربيّ؛ “الكرمل 48″؟!
هل كان قبلنا من أطلق المؤتمراتِ الثقافيّةَ السنويّة القطريّة (لا المؤسّساتيّة لهذه المؤسّسة أو تلك أو هذه الكليّة أو تلك)، أطلقنا الأوّلَ من عرّابة والثاني من مجد الكروم؟!
هل كان قبلنا من عقد المؤتمراتِ التنظيميّةَ الديموقراطيّة حتّى النخاع؟!
هل كان قبلنا من عقد مؤتمرًا قطريّا لأدب الأطفال (ومرّة أخرى لا المؤتمرات المؤسّساتية في هذه المؤسّسة أو تلك الكليّة)، وأطلق مجلسًا قطريّا لمواكبة أدب الأطفال؟!
وهل كان قبلنا من جعل من ملأ رفوف مكتباتنا العامّة ابداعات كتّابنا؟!
وهل كان قبلنا من ترجم ميدانيّا تواصليّا وحدة الثقافة الفلسطينيّة من الناصرة حتّى الخليل عبر نابلس والقدس؟!
هل كان قبلنا من أطلق من فوق أطلال قرانا المهجّرة ثمراتِ إبداع أبناء أبنائها المهجّرين، والأسرى في طريق العودة؟!
وهل كان قبلنا من أقام مثلَ مهرجاننا اليومَ للقراءات الأدبيّة والمسمّى أيّار البقاء والانتماء ذكرى للنكبة؟!
ولكنّ الأهمّ من المهمّ، هل كان قبلنا من موّل كلَّ تلك المشاريعِ من جيوب أعضائه الخاصّة دون مدّ اليد لأيّ كان من مموّلين برّة البحار أو جوّة البحار، اللهم إلّا رؤساءِ مجالسَ رعوا بأريحيّة وطنيّة جزءًا من هذه المشاريع.
وأستثمرُها فرصة لأشكرَ الرؤساء؛ عمر نصّار- بلديّة عرّابة، وسليم صليبي- مجد الكروم، ومازن عدويّ- طرعان، ورئيسِنا عريسِ اليوم الأخ فراس بدَحي. ولا بدّ أن نتذكّر بالشكر الرئيس شادي شويري – كفر ياسيف، الذي كان فتح صدره لهذا المهرجان عام 2021 إلّا أنّ ظروفًا ذاتيّة حالت دون عقده.
تستطيع كفر قرع اليومَ أن تسجّلَ أن مهرجانَ أيّار البقاء والانتماء الأوّلَ انطلق من ربوعها، وتستأهل ذلك!
وأبشرّكم أنّا باشرنا بتجهيز المقرّ الدائم للاتّحاد في كوكب أبو الهيجا، بفضل الرئيس زاهر صالح وأعضاء المجلس المحلّي، فنحيّيه ونحيّيهم.
فهل كان قبلنا في كلّ هذا؟! لا لم يكن قبلنا ولذا فنحن الأُوَلُ والرياديّون!
الأخوات والأخوة!
المهرجانات ليست منصّات يتبارى القارئون على خشباتها بلاغة وحسنَ إلقاء، ولا تُعقد لمجرّد الانعقاد. المهرجانات إن لم تطلق كلُّ قراءة فيها رسالةً تحمل الهمّ الوطنيّ العام فلا كانت المهرجاناتُ ولا كانت القراءة. لم يبقَ في العالم شعبٌ يعاني مثلنا وفي كلّ أماكن تواجدنا، وأدبٌ لا يحمل هذا الهمّ ليس بأدبٍ ولا كان هذا الأدبُ ولا كانت منصّاتُه!
بالأمس كنّا هنا في رحاب “الروحة” الجريحة وعلى أطلال قرية قنّير المهجّرة بين الشهود الأحياءِ على الانتماء والبقاء رغم الغياب؛ رمّانِها وتينِها وصبّارِها الباقية، وملّتِها العتيقةِ الوارفة المغروسُ جذعُها عميقًا حافظًا الذاكرة، كنّا في ظلالها الربيعيّة، نطلق ديوان ابنِها ناصر الشاويش الأسيرِ “أنا سيّد المعنى”، من أعلى ومن أشرف منصّة حجارةُ بيوت قنّير.
حقيقة تاريخيّة هي أنّ أدبَنا ما بعد النكبة سرعان ما التقط الانفاسَ وانطلق يعزّز البقاءَ ويجذّر الانتماءَ واللذين كانا مهدّدين ماديّا فعليّا فساهم في تعزّيزهما وتثبّيتهما، وليس صدفةَ وإنّما اقتداء بالسلف الصالح الرعيلِ الأوّلِ من أدبائِنا الوطنيّين؛ شيوعيّين وقوميّين، أن اخترنا لمهرجاننا هذا؛ أوّلًا أن نقيمه وسنويّا في شهر أيّار، وثانيًا أن نجعلَ البقاء والانتماء شعارًا له.
فبقاؤنا وانتماؤنا اللذان عزّزناهما وثبّتناهما جسدًا بعد ال-48 ما زالا مهدّدين شكلًا، فالتحدّي الأساسُ الماثلُ أمامنا اليومَ هو شكلُ بقائنا، ما بين بقاء وطنيّ تعدّدي أو بقاء طوائفيّ عشائريّ حمائليّ عائليّ، ما بين بقاء تقدّميّ متنوّر أو بقاء تخلّفيّ متحجّر، ما بين بقاء حضاريّ أو بقاء ظلاميّ. وبالمجمل بين بقاءٍ الثقافةُ روحُه أو بقاءٌ المادّة روحه، فما ارتفعت ولا ارتقت روحُ شعبٍ إلّا بثقافته.
الاتّحاد العام للكتّاب وانطلاقًا من الرؤى أعلاه استطاع في العقد الأخير أن ينطلق بالمشهد في اتّحاد موحَّدٍ وموحِّدٍ، عقد مؤتمره الوحدويّ أواخر العام 2021 فخرج قويّا موحّدًا ولن تعيق مسيرتَه بعضُ العقبات الطارئة. الاتّحاد يستطيع أن يسجّل وبفخر أنّه أعاد في العقد الأخير لمشهدنا الثقافيّ المحليّ الألق التنظيميّ الذي ميّزه قبل التراخي الذي واكبه لفترة ليست قصيرة لأسباب موضوعيّة وذاتيّة هي من ورائنا. يستطيع أن يسجّل وبفخر أنّه أحدُ الأجسام الوطنيّةِ القليلةِ إن لم يكن الوحيدُ الذي يجمع في صفوفه كلَّ التلاوين الفكريّة والاجتماعيّة والسياسيّة في نسيجنا الفلسطينيّ المحليّ الجميل، يجمعُهم تحت راية ثقافيّة وطنيّة وحدويّة، والتاريخ الوطنيّ لن يصفح لكلّ من يمسّ هذه الوحدة الوحدويّة.
وأخيرًا…
بغضّ النظر، فمنذ أن انطلقت الحركةُ الثقافيّة بتنظيم صفوفها في تنظيمات ظلّ نفرٌ خارجَ التنظيمات وأسبابُ أفراده كثيرة ومتنوّعة. يمكن أن يتبادر إلى الذهن منها؛ الكِبَرُ على التنظيم، الخوفُ من الضياع في التنظيم، الخوفُ من الالتزام، والانكفاءُ على الذات، والقائمةُ مفتوحة يستطيع كلّ أن يضيف عليها ما يرى. ولكن بزّ كلّ الأسباب سببٌ يطفو كلّما واجهت التنظيمات أزمة، وهو: “شو عِمْلَت لي التنظيمات”.
تنظيم الفاعليّات المختلفةِ في كلّ المجتمعات البشريّة هو حاجةُ هذه المجتمعات الموضوعيّةُ للحياة الأفضل والرقيّ، وعلى هذا أجمع البشر منذ ما بعد المشاعيّة البدائيّة. فكلّ المنظّماتِ أو التنظيمات المجتمعيّة تقوم كي تعملَ على رفعة مجتمعاتها حياتيًا، ومنظّماتُ الكتّاب منها كيّ تعمل ثقافيّا على رقيّ المشهد الثقافيّ الجمعيّ ومن هذا الباب تعمل للفرد الثقافي وليس العكس، والأَوْلى أن يُسأل السؤال طبقًا لهذا التوجّه، وأوّلًا ثقافيّا: “شو عْمِلْت للمشهد الثقافيّ الجمعيّ وليس شو عِمِلّي”!
وفي النهاية
الأخ والزميل في المحاماة مهنة والرئاسة موقعًا فراس بدحي، وأعضاء المجلس، ومستشار الرئيس الأخ غانم مصاروة والأخت مها زحالقة مديرة المركز الجماهير، وأعضاء الاتّحاد أبناء كفر قرع وأخصّ مركّز قطاع وادي عارة عبد القادر، وفوق كلّ هؤلاء أهالي كفر قرع… وكقول امرئ القيس: وما يجزيكم منّا غير شكرنا إيّاكم! والسلام عليكم!
سعيد نفاع – الأمين العام
23 أيّار 2022م