مهرجان أيّار البقاء والانتماء استذكارًا للنكبة – كفر قرع يوم: 23- 05- 2022.
- كلمة الافتتاح باسم الاتّحاد وقطاع وادي عارة للاتّحاد. : د. محمود أبو فنه، عضو لجنة القطاع. كفر قرع.
أيّها الأخوة والأخوات الكرام
السلام عليكم جميعًا
بهذه المناسبة الميمونة البهيجة ترتدي بلدتُنا العامرة كفر قرع بحلّةٍ قشيبة نسيجُها المحبّةُ والانتماء والعطاء لتفتحَ ذراعيها وتحتضنَ هذا المهرجانَ الحضاريَّ الذي يُعلي مكانةَ الكلمة الجميلة الهادفة الملتزمة!
نحن في بلدتنا كفر قرع، رجالًا ونساءً، صغارًا وكبارًا، نعتزّ بانتمائنا لبلدتنا الزاهرة في وطننا الحبيب، ونبارك ماضيَها العريقَ المشرّف، وحاضرَها المشرق، ومستقبلَها الأجملَ والأنضرَ بعون الله!
كفرقرع كانت – وما زالت – بلدةً وادعةً مسالمة، يتحلّى أهلُها بالتكاتف والتعاضد، وبالإباء والطموح، ويسعون لتوفير حياة كريمة آمنة، ولكنّهم على استعداد للتضحيّة وتلبية نداء الوطن في المحن والشدائد!
لذلك، في الأعوام 1936 – 1939 إبّان الثورة ضدّ الانتداب البريطانيّ شاركت كفر قرع في هذه الهبّة وقدّمت الشهداء.
وفي عام 1948م قاومت كفر قرع ببسالة محاولاتِ احتلالها، وقدّمت الشهداءَ، ولكن مع تفاقم الخطر والدمار قرّر سكّانُها النزوح المؤقّت عن بلدتهم في تاريخ 10.4.1948 وعاشوا كلاجئين في البلدات العربيّة المجاورة التي أحسنت وفادتَهم وضيافتَهم حتّى تسنّى لهم العودةُ بعد أحدَ عشرَ شهرًا تقريبًا لقريتهم الغالية مسقطِ رأسهم، ومنزلهم الأوّل!
كم كان أهلُ كفر قرع محظوظين فخورين بالعودة لبيوتهم ولأرضهم التي صودر معظمُها، عادوا ليعمّروا البلدة بالإرادة والعزيمة والتعاون والتكافل لتحقّق قفزةً نوعيّة وتصبحَ بلدةً مشعّةً بالعلم والعطاء ببيوتها الجميلة وشوارعها النظيفة ومؤسّساتها وحدائقها وملاعبها لتستحقّ لقب زهرة/عاصمة بلدات المنطقة!
أيّها الأحباب!
بعيدًا عن المغالاة والغرور أضيف: بفضل التسلّح بالعزيمة، والإيمان بقدسيّة العمل، والقناعةِ بأهميّة العلم كرافعة للتغيير والارتقاء، استطاعت بلدتُنا كفر قرع أن تنهضَ وتزدهر؛ فالتعليمُ عندنا مرّ بعدّة مراحلَ، فكانت البداياتُ: التعليم للبنين الذكور في الكتّاب على يد إمام المسجد، واقتصر التعليم على إكساب أسس اللغة العربيّة، وحفظ القرآن، ومعرفة مبادئ الحساب.
ثمّ انتقل التعليمُ لغرف قليلة مستأجرة وقام بالتعليم معلّمون من خارج القرية.
وبعد عودة أهالي كفر قرع “اللاجئين” للبلدة عام 1949 أعيد افتتاحُ الصفوف، وبدأت البناتُ تشارك البنين في التعلّم، وتعددت مواضيعُ التعليم وتنوّعت، وزاد تدريجيًّا، مع مرور السنين، عددُ الصفوف والمعلّمين من خارج البلدة ومن أهلها.
واليوم، لدينا المدارسُ العصريّة التي تتوفّر فيها الغرفُ المكيّفة والمرافقُ والساحات المناسبة، والمعلّمون والمعلّمات الأكْفاء، والمديرون والمديرات المؤهَّلون. ويبلغ عدد الطلاب والطالبات الإجماليّ هذه السنة حوالي 6000 يتوزّعون على: 6 مدارس ابتدائيّة إحداها مدرسة جسر على الوادي التي تضمّ طلابًا عربًا ويهودًا، وثلاثِ مدارسَ إعداديّة، وثلاثِ مدارسَ ثانويّة.
وممّا يثلجُ الصدرَ إقبالُ الكثيرين من خرّيجي الثانويّات على مواصلة دراستهم في الجامعات والكلّيّات والمعاهد العليا، والحمدُ الله، نحن نفتخرُ بالنسبة العالية من الأكاديميّين في معظم التخصّصات من طبّ ومحاماة وصيدلة وهندسة وتمريض وتدريس وغير ذلك. (على سبيل المثال: ورد في كتاب: “محطّات على تاريخ كفر قرع” الصادر عام 1997م إعداد شكري عرّاف (ص 106- 107)، أنّ نسبة الأكاديميين تصل 8.5 في المئة من مجموع سكان القرية، وأنّ عدد الأطباء آنذاك 82 طبيبًا، واليوم يبلغ عدد الأطباء 418!)
وأختتم عرضي الموجز لتاريخ كفر قرع وصمودها ونهضتها وعشقها باقتباس ما نظمه الأستاذ عبدُ الرؤوف قربي أحدُ روّاد المعلّمين في قريتنا والذي يُعتبر من سدنة تراثنا الشعبيّ وتاريخِ بلدتنا كفر قرع:
بلادي طيّب اللهُ ثراها – عشقتُ تُرابَها وسنا سماها
عشقتُ ملاعبَ الفردوسِ فيها – بيادرَها أزقّتَها رُباها
ولو خُيِّرتُ أن أحيا غنيًّا – غريبًا عن بلادي لا أراها
لقلتُ تعالَ يا فقرُ تربّع على – صدري فلن أرضى سواها.
لماذا الجلدُ الذاتيُّ؟
أيهّا الأخوة والأخوات الأفاضل:
لكلّ اليائسين المحبَطين والمحبِطين أقول: لماذا الجلدُ الذاتيُّ؟
أنا لا أزعمُ أنّنا خيرُ الأمم، ولا أفضلُ الشعوب!
ففينا القمحُ وفينا الزؤان!
وفينا العاقلُ المتّزن، وفينا الأهوجُ المتهوّر!
وفينا محبّو الخير والإيثار، وفينا محبّو الشرّ والأثَرة!
ما يحدثُ في ربوعنا وأوطاننا لنا نصيبٌ فيه، وللآخرين نصيب!
لم ننجحْ في تذويت قيم الديموقراطيّة، ولا قيم المساواة!
لم ننجح في تحرير عقولنا من التفكير الخرافيّ والسحر والشعوذة!
لم ننجح في التعامل مع المرأة كشريكٍ متساوٍ للرجل وبعيدًا عن الإغواء!
لم ننجح في تبنّي أساليب تعليم وتربية تنمّي التفكيرَ والإبداع!
لم ننجح في ممارسة القراءة الذاتيّة كعادة متجذّرة متأصّلة لدى المواطنين.
لم ننجح في استغلال ما وهبنا اللهُ من مواردَ للنهوض والتقدّم والعمران!
وقائمة “لم ننجح” طويلة طويلة…
بالمقابل هناك الآخرون المتربّصون بنا، يريدوننا شيعًا وطوائفَ وعشائر.
يعملون في الخفاء وفي الجهر على تفريقنا وتمزيقنا وشرذمتنا!
يبثّون في نفوسنا روحَ الهزيمة والضعفِ والهوان،
يريدوننا مستهلِكين لبضائعهم ومنتوجاتهم وأفكارهم وسياساتهم!
يقفون مع المستبدّ الظلاميّ، ويعادون المتنوّرَ الواعي.
وقائمة ما يفعلُه الآخرون لنبقى على هامش التاريخ قد تطول وتطول…
آن الأوانُ لنؤمنَ بأنفسنا وبأجيالنا وبقيمنا الأصيلة!
آن الأوان لنعرفَ مسؤولياتِنا وواجباتِنا تجاه أنفسنا!
آن الأوان لنعرفَ الصديقَ من العدوّ!
آن الأوانُ لنتعاون ونتّحدَ ونتكاتف!
آن الأوان لنثورَ على ما يقيّدُ انطلاقتَنا وحرّيتَنا وعقولَنا!
آن الأوان لنرفضَ هذا الجلدَ الذاتيّ ومشاعرَ الدونيّة:
فعندنا الكثيرُ الكثير ممّا يمنحُنا الإيمانَ بطاقاتنا وأجيالنا وتاريخنا ومواردنا:
– نمتلك عمقًا حضاريًّا وتراثا علميّا وأدبيّا قد لا يمتلكُه الآخرون!
– نمتلك عقولا مفكّرةً كالآخرين!
– نمتلك أطفالًا رائعين واثقين واعدين وطموحين!
إذن، لماذا هذا الجلدُ الذاتيُّ؟
ما ينقصنا هو الثقةُ بأنفسنا وبقدراتنا ومواردنا وبقيمنا الإيجابيّة!
– ليبدأ كلٌّ منّا في دائرته القريبة، في بيته ومع أهله:
– لنزرعِ التفاؤلَ والأملَ وروحَ العمل المخلص!
– لنعملْ على غرس المحبّة والإيثار في النفوس!
– لنعوّد الأبناءَ والأحفادَ على تحمّل المسؤوليّة والاستقامة.
– لنحبّب الطلابَ بالتعلّم والاستكشاف ولنشجّعْهم على القراءة الذاتيّة.
– لنزوّد المتعلّمين في المدارس بمهارات الإبداع والابتكار والتفكير المستقلّ!
– لنفتحْ عقولَنا على كلّ جديد، ولا ضيرَ أن نتعلّمَ من الآخرين، مع الحفاظ على خصوصيّاتنا الثقافيّة، حتّى نلحق بالركب!
ليس العلمُ، وليس التقدّمُ حكرًا على شعب أو أمّة دون الآخرين!
لنتحرّر من عاداتٍ بالية، وانتماءاتٍ ضيّقة، وتطلّعات محدودة!
قد يكون بيننا متخاذلون حاقدون!
ولكن لا زال بيننا من يأبى الضيمَ، ومن يتمسّكُ بالقيم والمثل النيّرة الخالدة، ومن يسعى للإصلاح والتغيير، ومن يؤمنُ بإمكانيّة تحقيق التقدّم والارتقاء!
– نحتاج للشفافيّة والمساءلة، لنكافئ كلَّ مجتهدٍ مخلص يقوم بإتقان عمله،
ولنحاسب كلَّ متقاعس في أداء عمله أو وظيفته أو رسالته!
وإن شاء اللهُ سيكونُ غدُنا مشرقًا ناصعًا بالعزّة والكرامة والرفاهيّة والازدهار!
لا شيءَ مستحيل إذا كانت النفوسُ كبارا، والعزائمُ عظيمة!
وكم يروق لي أن أختتم كلمتي باقتباس ما كتبه المفكّر المثقّف الفلسطينيّ والعالميّ د. إدوارد سعيد في كتابه: “المثقّف والسلطة”:
“ليس على المثقّف أو المفكّر أن يكون شكّاءً بكّاءً لا يعرف الابتسام – د. إدوارد سعيد في كتابه: “المثقّف والسلطة”.