يا درويش،
قلت: “فكر بغيرك”،
فأيقظت فيّ سؤالًا قديمًا:
هل كنا يومًا نُحسن التفكير إلا بأنفسنا؟
حين أفتح نافذتي على صباح هادئ،
وأتنفس قهوتي بطمأنينة،
أسمع همسك في الضوء:
“هناك من لا نافذة له، ولا صباح.”
فأغمض عيني،
لا حياءً، بل خجلًا.
حين أكتب،
أخط كلماتي كأن الكون يدور حول قلمي،
فتأتي كلماتك خفيفة،
حادة،
صادقة:
“هناك من لا وقت لديه للشعر…
يكتب وصيته بدلًا من قصيدته.”
علّمتني أن التفكير بالآخرين
ليس تفضّلًا،
ولا نُبلًا فائضًا عن الحاجة،
بل فعل نجاة،
لنا جميعًا.
أن أراهم،
لا بعين العطف، بل بعين الانتماء.
أن أفتح قلبي حتى يدخل العالم،
وأكون إنسانًا،
لا لأنني وُلدت هكذا،
بل لأنني اخترت أن أكون.
آه درويش
وقد كتبتَ
وكتبت
وهمست في قلب القصيدة أن تكون مرآة للآخرين،
لا مجرد نشيد ذات.
سمعتك تقول:
“حين تُعِدُّ فطورك، فكّر بغيرك.”
فانكسر خبزي في يدي.
تذكرتُ من لا يملك رغيفًا،
ومن لا يملك الوقت ليجوع…
فهو مشغول بالنجاة.
“حين تخوض حربك، فكّر بغيرك.”
وأنا
الذي ظننت أن الحرب لا تُخاض إلا دفاعًا عن النفس،
نسيت أن هناك من يُساقون للموت دون أن يُسألوا:
هل تريدون أن تعيشوا؟
“حين تعود إلى بيتك، فكّر بغيرك.”
وهنا، صمتُّ طويلًا.
تذكرت من هجّرهم الغياب،
من صار الليل خيمتهم، والحلم منفى.
درويش،
لم تكن وصاياك شعرًا يُقال،
بل اختبارًا يوميًا للضمير.
كل بيت كتبته،
كان نافذة تُفتح على وجع،
وكان ضوءًا خافتًا
في درب مزدحم بالأنانية.
علمتني أن أكتب لا لأُبهر،
بل لأشهد.
أن أحب لا لأُمتلك،
بل لأمنح.
وأن أفكر…
لا بنفسي أولًا،
بل بغيري… لأصير نفسي حقًا.