البيان الافتتاحي للمؤتمر – سعيد نفّاع

الاتحاد العام للأدباء الفلسطينيّين- الكرمل48 – المؤتمر الثقافيّ الأول

الأدب الفلسطينيّ من منظور ثلاثيّ الأبعاد: الطول والعرض والعمق

عرّابة 11-12 تشرين أول 2019

بيان الاتحاد

الأخواتُ والأخوة

ينعقد مؤتمرُنا هذا، الثقافيّ الأول، تزامنًا مع حملة دفاع عن وجود نخوضها ضدّ آفة العنف التي تُشكّل أداةً حادّة سامّة من أدوات ضرب شكل وجودنا. لقد حسم آباؤنا البيولوجيّون والثقافيّون، اللذين نقدّر ونشكُر اليومَ بعضَهم، حسموا ما بعد النكبة وجوَدَنا الكينونيّ، وإن بشقّ النفس في وجه عدوّ شرس اعتبر مجرّدَ وجودِنا آفة. وكان علينا جيلَ ما بعد النكبة ومعهم وبعدهم أن نصونَ هذا الوجود، هذه الأمانة، شكلا، لأن المعركةَ وبعد أن ثبُتتْ كينونتُه صارت على شكلِه ومنعِ ضربِ مواطنِ قوّته وقواه.

الخيار هو بين وطنيّةٍ وقوميّة إنسانيّة أو طوائفيّةٍ ومذهبيّة وعشائريّة وحمائليّة. الخيار هو بين لقمةِ عيش على أطباق قشّ مجدولٍ من عروقِ قمحنا أو لقمةٍ على موائدِ لئام. الخيار هو بين ثقافةٍ تقدّميّة تنوّيريّة أو ثقافةٍ تخلّفيّة وظلاميّة.

نحن هذه الفئةُ من حَمَلةِ القلمِ والريشة والإزميلِ والصوت، وكما ومع كلّ فئات أبناء شعبنا؛ العمالِ والموظّفين والفلاحين على ندرتِهم، والسياسيّين والمرأةِ فينا والرجل، لا فضلَ فينا لفئة على أخرى إلا بالتقوى، والتقوى في سياقنا هي مدى استعدادِ كلّ منّا أن يخرج من دائرته الصغرى والانكفاءِ على الذات إلى الدائرة الأوسعَ والذاتِ الأوسع.

مؤتمرُنا هذا هو الأول، نعم الأول. كانت هنالك مؤتمراتٌ في الثمانينيّات ولكنها كانت وإذا صحّ التعبيرُ فئويّة، عقودٌ مرّت دون أن تستطيع حركتُنا الثقافيّةُ أن تعقد مؤتمرًا موحَّدًا موحِّدًا، الكثيرُ من المؤسّسات تعقد مؤتمراتٍ ولكن الأمرَ ظلّ مؤسّساتيّا، ومن هذه وبهذه مؤتمرُنا هذا هو نعم الأول، ونطمئنكم أنّه لن يكون الأخير.

وحّدنا حراكَنا الثقافيّ في لقاء واحد أوحدَ يوم 9 شباط 2019، وربّما تَعجَبون إذ قلنا إنّه لم يدُم الأخذُ والردّ فيه أكثر من ساعة حتّى تمّ التوافقُ على كلّ الأمور وانطلقنا نجني معًا، ولعلّ مؤتمرَنا هذا إحدى الثمراتِ الطيّبة. كان ذلك في خضمّ معركةِ، نعم معركة، أحزابِنا على الشراكة. أسوق هذا لأن حقيقةً مرّة تكشّفت لنا سريعًا، فحينما أُنجزِتْ الشراكةُ بين الأحزاب أتخَمَنا بعضٌ ليس قليلَا من كتّابنا “فسْبكة” و-“واتسْأبّة” وكيفما وأينما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، بالتهليلِ والتكبير بالشراكة وللشراكة. المرّ والمرارة، ورغم أنّ الوحدةَ شكلٌ من أشكال العملِ أرقى من الشراكة، أنّ نفراً من أولئك وقف ويقف ضدّ الوحدة وفي وجهِها منسحبًا من التنظيم، وآخرين منهم بخّسوها ويبخّسونها. فكيف يتوافق هذا وذاك!؟

في تبادل وجهات نظر بين بروفيسور طه وبيني كتابةً، وكانت معرفتنا “عن بعد”، أخذ عليّ ادعائي؛ أنّ تنظيمَ حركتنا الثقافيّة كفيلٌ بإخراجها من أزمتها التي كان أشار إليها، وما زالَ بالمناسبة، ولكنّي ما زلت مقتنعًا أنّ تنظيمَها فعلا أساسٌ مهمّ لكلّ أوجهِها. يستطيع المرءُ أن يفهم كثيرًا من الأسباب التي تجعل أو تُبقي بعضَ أدبائِنا خارجَ التنظيم، نفهمُ ولا نتفهّم. فمن يعتقدُ أنّه لا يريد التنظيمَ لأنّ في التنظيم تقييداً فهذا خطأ قابلٌ للتصحيح، والذي يعتبر أنّ لا حاجةَ له بالتنظيم إذ ما الذي يمكن أن يستفيدَه من ذلك هو كذلك مخطىءٌ وهذا أيضا قابلٌ للتصحيح، ولكن من يعتبر نفسَه فوق التنظيم لأنّ أمجادَه صارت وراءَه، أو لا ينتظمُ مجرّدَ نكايةٍ في “فلان أو علّان” أو لأنّ “فلان” لا يعجبُه و-“علّان” لا يروقُه، فإنّ هاتين خطيئتين نتمنّى لأصحابِهما الشفاءَ!

كان لا بدّ من الإشارة إلى هذا ولكنْ ليست هذه الحالةُ الغالبةَ، فالعشراتُ من مبدعينا انضمّوا للاتّحاد خلالَ السنةِ الأخيرة. ومع هذا نودّ أن نؤكّدَ:

لولا تنظيمُ حراكِنا الثقافيّ، لما استطعنا أن نجعلَ ليوم اللغة العربيّة العالميّ، الثامن عشر من كانون الأول، معنى عندنا، عشراتُ من الأعضاء سنويّا يلتقون آلافَ الطلّاب في عشراتِ المدارس. لولا التنظيمُ لما استطعنا أن نثبّت صدورَ مجلّتنا “شذى الكرمل” وللسنةِ الخامسة تباعاً، منبرًا مفتوحًا لا حرمانَ فيها ولا “إمبارغو” على قلم وضدّ قلم، و-“العُتْقيّة” كما الجُدد.

ندّعي دائمًا إنّ ناسَنا لا يقرأون، وهذا صحيح، ولكنّا سلّمنا ب- “وكفى المؤمنين شرُّ القتال”، فانكفأنا على أنفسِنا في صوامعَ نُسمع ونَسمع بعضُنا بعضًا في أمسيات ولقاءات هي بحدّ ذاتها بركة، ولكنّا وفي الاتّحاد انطلاقا من: لعلّ التوكَ منّا وفينا بعدم وصولِنا للنّاس وليس في وصولِ الناس إلينا، فانطلق تنظيمُنا في أمسياته إلى الناس في بلد المحتفى به وبين ناسه.

كلّ ذلك وماديّا، ولا يذهبنّ أحدٌ بعيدا، من عرقِ وجيوب الأعضاء!

والخير لقدّام!

لهذا ولكلّ ما في الجُعبة، ندعو كلَّ كتّابنا كلّ شعرائِنا إلى الانضمامِ إلى الاتّحاد، ومن نافل القول: أنّ الاتحادَ والوحدةَ بركة، مع احترام التعدّدية الفكريّة والسياسيّة ولا يصبغنّ أحد الاتحادَ بالانحياز إلا لشعبنا وثقافتِه الوطنيّة والتنويريّة والإنسانيّة.

لسنا في مؤتمر تنظيميّ ولكنْ كان لا بدّ من هذا، خصوصاً وأنّ للجانب الثقافيّ المضمونيّ رجُلّه، رئيس المؤتمر و”هاي عليه”.

نحن على ثقة إنّ المؤتمرَ سيغنينا ثقافيّا وتنظيميّا. هنالك وجبةٌ من الشكر نتركُها “تحلاية” إلى نهاية المؤتمر!

تحيّات طيّبة باسم كلّ فردٍ في الاتحاد!                                        سعيد نفّاع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*