عاشقَ التَّلْفاز (قِصَّةٌ لِلأطْفال – 3 حَلَقات ) – هادي زاهر

كانَ هُناكَ طفْلٌ ، وَاسْمُ هذا الطّفلِ جَميلٌ ، وَكانَ مُجتَهِداً في دُروسِهِ ، لا يَتْرُكُ حَلَّ وَظاِئِفهِ ، وَكانَتْ مُعَلًّمتُهُ سَعيدَةً بِهِ وبِاجْتِهادِهِ، وَكَذلِكَ كَانَ أَهلُهُ فَرِحينَ بِهِ إِلى دَرَجَةٍ كَبيرَة .
وَكانَ جَميلٌ إِضافَةً إلى ذَكائِهِ وَاجْتهِادِهِ، خَفيفَ الظّلِّ، ممَّا جَعَلَ أَهْلَهُ يُبالغونَ في مَحَبَّتِهِ وَتَدْليلِهِ، وَيَحْرِصونَ عَلَى تَلْبِيةِ جَميعِ طَلَباتِهِ .
أُعْجِبَ جَميلٌ بِهذا التَّصَرُّفِ، وَهذِهِ الْمُعامَلَةِ، وَأُصيبَ بِالغُرورِ نَتيجَةً لِذلِكَ، وَصار يَتَمادى في دَلالِهِ، وَاعتَقَدَ أَنْ أَلْحَياةَ سَهْلَةُ، وَأَنْ بإِمْكانِهِ الْحُصولَ عَلى ما يُريدُ دونَ عَناءٍ، وَكانَت النّتَيجَةُ أَنًهُ صارَ يُهْمِلُ في دُروسِهِ، وَصارَ يَشْعُرُ بِالْمَلل وَالعَصَبِيَّةِ، مِمَّا دَفَعَهُ إِلى الْعَيْشِ في حالَهً منَ الفَراغِ، وَصارَ يَصْرُخُ لأَتْفَهِ الأَسْبابِ، وَيَتَذَمَّرُ مِن كُلِّ ما يُصادِفُهُ .
صارً جَميلٌ يَبْحَثُ عَمَّا يَسُدُّ بِهِ وَقْتَ فَراغِهِ، وَرُوَيْدَاً رُوَيْداً اهْتَدى إِلى طَريقَةٍ لِسَدِّ الْفَراغِ .
هَلْ تَعْرِفونَ ما هِيَ؟؟
سأٌخْبِرُكُمْ بِها، وَلكنْ سَأُخْبرُكُمْ لِكَيْ لَعْرِفُوا الأٌمورَ المُضِرِّةَ بِالصَّحَّةِ، فَتَتَجَنَّبوها، وَالآنَ هَيَّا لأُخبِركُم.

1. ضَعْفُ نظَرِ جَميل

تَعَلَّقَ جَميلٌ بِالتِّلْفازِ تَعَّلُّقاً شَديداً، وَصارَ يُتابِعُ الأَفلامَ وَالْمُسَلْسَلاتِ وَالْبَرامِجَ كافْةً، اَلْمُفيدَةَ وَغَيْرَ الْمُفيدَةِ، وَكانَ يَسْتعْرِضُ كافَّةً الْمَحّطَاتِ الْفَضائيِّةِ، يَتَنقَّلُ مِنْ مَحَطَّةٍ إِلى أُخْرى، حَتَّى لا تَفوتَهُ شارِدَةٌ وًلا وارِدَة
وَمَعَ مُرورِ الأَيَّامِ انِتَبَه والدُ جَميلٍ لتَصرُّفاتِ ابْنهِ الْحبيبِ وَتَعَلُّقِهِ بِالتِّلْفازِ، فَصارَ يَطْلُبُ مِنْهُ إِقْفالَ التِّلْفازِ وَالإنْتِباهَ لِدُروسِهِ ، وَيَشْرَحُ لَهُ أَنْ كَثْرَةَ مُشاهَدَهِ الْبرامجِ تُؤْذي النَّظرَ، وَكانَ جَميلٌ دَوْماً يَرُدُّ عَلى والِدِهِ بأَنَّ هُناكَ بَرامِجَ مُفيدَةً ، مِن شَأْنِها أَنْ تُكْسِبَهُ الْكَثيرَ مِنَ الْمعْلوماتِ ، وَأَنَّهُ بِهذِهِ الطَّريقَةِ يَسْتَفيدُ أَكْثر.
وَيُجيبُهُ والِدُهُ: قَدْ يَكونُ الأَمْرُ صَحيحاَ يا بُنَيَّ، وَلكِنْ
أَيَّا كانَت الْبَرامِجُ ، فَإِنَّها لا تَسْتَطيعُ تَعْويضَكَ عَنِ الدُّروسِ، بَلْ لا يُمْكِنُ أَنْ تُعَوِّضَك .
يَعِدُ جَميلٌ والِدهُ بإِقْفالِ التّْلْفازِ بَعْدَ انتِهاءِ الْبَرامجِ، وَلكِنْ إِرادَتُهُ الضَّعيفَهُ جَعَلَتْهُ لا يَسْتَطيعُ الإِلْتِزامَ وَالْوَفاءَ بِما يَعِدُ والِدَهُ ، وَصارَ يَسْتَغِلُّ ثِقَةَ أَهْلِهِ ، وَوَقْتَ انْصِرافِهِمْ لِلإِسْتِمرارِ في مُشاهَدَهِ بَرامِجِ التِّلْفازِ ، وَإِذا أَحَسَّ بِخُطُواتٍ تَقْتَرِبُ مِنْهُ ، كانَ يُسْرِعُ وَيَتَناوَلُ كِتاباً وَضَعَهُ بِجانِبِهِ ، وَيَتَظاهَرُ بِالْقراءَةِ وَالْمُواظَبَةِ عَلى الدُّروس .
مَعَ مُضِيِّ الْوَقْتِ ، وَكَثْرَةِ مُشاهَدَةِ جَميلٍ للتِّلْفازِ ، صارَ يَشعُرُ بِحاجَةٍ أَكْثَرَ للإِقْتِرابِ مِنَ الشَّاشَةِ كَثيراً لِيَسْتَطيعَ
أَنْ يُشاهِدَ بِوضُوحٍ ٍ ، وَلَمْ تقْنعْهُ تَفْسيراتُ والِدِهِ ، أَنْ التِّلْفازَ يَبُثُّ أَشِعَّةً مِغْناطيسِيَّة تُؤَثِّرُ عَلى الْمُشاهِدِ صِحِّيَّاَ .
أَمَّا في الْمَدْرَسةِ ، فَقَدْ تَنَبَّهَت مُرَبِّيَةُ صَفِّ جَميلٍ إِلى تَدَهْوُرٍ وَضَعْفٍ في النَّظَرِ عِنْد جَميلٍ ، وَقامَتْ بِإِبْلاغِ الْمُمَرِّضَ’ِ وَالأَهْلِ بِالأَمْرِ ، وَكَتَبتْ رِساَلةً تُخْبِرُهُمْ فيها بِضَرورَةِ إِجْراءِ فَحْصِ نَظَرٍ لِجَميلٍ ، وَشَرَحَتْ لَهُمْ أَنَّها لاحَظَت انْحِناءَ جَميلٍ الْحادِّ عِنْدَما يَقومُ بِالْكِتابَةِ وَبِصُعوبَةِ القِراءَةِ عِنْدَهُ ،
كَما لَفَتَتِ انْتِباهَهُمْ إَلى تَراجُعٍ في مُسْتَواهُ الدِّراسي .
وَصَلتِ الرِّسالةُ إِلى والِدِ جَميلٍ فَقَرَأَها وَغَضبَ مِنْ جَميلِ ، وَقامَ بِتَوبيخِهِ بِسَبَبِ تَرجُعِهِ في دُروسِهِ ، وَلِعَدَمِ طاعَتِهِ لَهُ حينَ كانَ يَنْصَحُهُ بِعَدَمِ الْبقاءِ طَويلاً أَمامَ التِّلْفاز.
إِسْتَجابَ والِدُ جَميلٍ لِطَلبِ الْمُرَبِّيَةِ ، وَاصْطَحَبَ مَعهُ جَميلاً إِلى عِيادَةِ طَبيبِ الْعُيونِ ، وَهُناكَ قامَ الطْبيبُ بِفَحْصِ نَظَرِ جَميلٍ بِواسِطَةِ لَوحَةِ الأَرْقامِ الْمُخَصَّصةِ لِذلكَ ، وَتَبَيَّن أَنْ جَميلٍ يَسْتَصْعِبُ قِراءَةَ الأَرْقامِ الْمُتَوَسِّطَةِ وَالصَّغيرَةِ ، وَعنْدَما طَلَبَ الطَّبيبُ مِنْ جَميلٍ الْجُلوسَ عَلى كُرْسِيٍّ خاصٍّ لِفَحصِ نَظَرِهِ بِواسطَةِ الْحاسوبِ ، فَتَبَيَّنَ أَنًّهُ بِحاجَةٍ إِلى نَظَّراتٍ سَميكَة .
بَعْد تَحْديدِ نَوعِ النًّظاراتِ الطّبّيِّةِ الّلازِمةِ ، طَلَبَ الطَّبيبُ مِن جَميلٍ الإِقْلالَ مِن مُشاهَدَةِ التِّلفازِ، وَالإِبْتِعادَ عَنِ الشَّاشَةِ حينَ يَقْتَضي الأَمْرُ مُشاهَدَةَ بَعْضِ الْبَرامِجِ الْمُفيدَة .
وافَقَ جَميلٌ عَلى طَلَبِ الطَّبيبِ ، وَحاوَلَ التَّقَيُّدَ بِما طَلَبَ مِنْهُ وَالْعَمَلَ بِنَصيحَتِهِ ، وَلكنَّهُ لَمْ يَصْمُدْ طَويلاً ، وعادَ إِلى الجُلوسِ مُدَّةً طَويلَةً كُلْ يَوْمٍ أَمامَ التَّلْفازِ .

 2.  تَسَوُّسُ أَسْنانِ جَميل

لَمْ يَتَوَقَّفْ أَمْرُ جَميلٍ عندَ هذا الْحَدِّ ، بَلْ إِنَهُ اعْتادَ عَلى أَمْرٍ آخَرَ ، وَصارَ يُكْثر مِن تَناوُل الْحَلْوى وَالْمُسَلّياتِ ، وَيُكثِر مِنْ تَناوُلِ الْمَشروباتِ غَيرْ الطبِعِيَّةِ ، وَكانَتِ النَّتيجَةُ أَنْ بَدَأَ يَشْعُرُ بأَلمٍ في أَسْنانِهِ ، وَكانَ عَليِهِ أَنْ يَزورَ الطبيبَ للِفَحْصِ ، وَأَخَذَهُ والدُهُ إِلى الطبيبِ وَفَحَصَ الطبيبُ أَسْنانَهُ ، وَاوْصاهُ بِالتَّقليلِ مِن تَناوُلِ الْحَلْوى وَالْمَشْروباتِ غَيْرِ الطْبيعِيَّةِ ، وَخاصَّةً ” الكولا”، وَشَرَحَ لَهُ الطبيبُ عَنِ الأَسْنانِ وَقالَ: إِنَ السِّنَّ مُرَكْبَةٌ طَبَقاتٍ ، وَالطْبَقةُ الْعُلْيا منْها تُدْعى “الْميناءَ” وَهِيَ الطبَقَةُ الْواقِيةُ ، فَإِذا أُزيلَتْ بِسَبَبِ الإِكْثارِ مِنْ تَناوُلِ الْحَلْوى وَالْمَشروباتِ غَيْرِ الطبيعيَّةِ ، تُصْبِحُ السِّنُّ عُرْضَةً للتَّسوُّسِ ، ثُمَّ طَلَبَ الطبيبُ مِنْ جَميلٍ الْجُلوسَ عَلى كُرْسِّ الفَحْصِ وَفَتْحَ فَمِهِ ، وَبَعْدَ الْفَحْصِ ، حَدَّدَ لَهُ الطبيبُ مَوْعِداً لإِصْلاحِ الأَسْنانِ التي أُصيبَتْ بِالتَسَوُّس .

 3. كَثْرَةُ أَكْلِ جَميل 

نَتيجَةً لكَثْرَةِ الْجُلوس أَمام التِّلْفازِ أُصيب جَميلٌ بِالسُّمْنَةِ ، بِسَبَبِ قِلَّةِ الْحَركَةِ ، وَكَثْرَةِ أَكْلِ الْحَلوى وَالْمُسَلِّياتِ ، وَتَخُنَ جِسْمُ جَميلٍ أَكْثرَ وأَكْثَرَ ، حَتَّى صارَ مِثْلَ الْمُكَعَّب.
بَدَأَ جَميلٌ يُحِسُّ بِالأَلَمِ في بَطنِهِ ، وَكَثُرَتْ شَكاواهُ مِنْ ذلِكَ ، وَذاتَ يَوْم أَحسَّ بِاَلَمٍ شَديدٍ ، وَصارَ يَبْكي بِشِدَّةٍ وَيَصْرُخُ مُسْتَنْجِداً بِوالِدِهِ ، فَحَمَلهُ والِدُهُ وَأَسْرَعَ بِهِ إِلى الطبيبِ.
طَلَبَ الطبيبُ مِنْ جَميلٍ الإِسْتلقاءَ عَلى سَريرِ الْفَحْصِ ، وَوَضَعَ السَّمَّاعَةَ الطِّبِّيَّةَ عَلى بَطْنِ جَميلٍ ، وَطَرَفَها الآخَرَ عَلى أُذُنَيهِ ، لفَحْصِ نَبْضِ الْقَلبِ ، وَبَعدَ ذلِكَ قامَ بِإِجْراءِ كافَّةِ الْفُحوصاتِ الَّلازِمَةِ ، ثُمَّ نَظَرَ إٍلى جَميلٍ وَإِلى والِدِهِ وَبتَسَّمَ ثُمَّ قالَ :
الْحَمْدُ لِلهِ ، إِنَّهُ تَوعُّكٌ صِحِّيُّ بَسيطٌ ، وَلَيْسَ هُناكَ أَيُّ خَطَرٍ عَلى صِحَّتِهِ، وَكُلُّ ما في الأَمْرِ أَن الإِكْثارَ مِنْ تَناوُل الْمُسَلّياتِ يُسَبَّبُ هذا الأَلَمَ ، لأَن مَعِدَةَ الإِنسانِ وَمَعِدَةَ الطِّفْلِ خاصَّةً لا تَقْوى عَلى هذا الْخَليطِ الْمُعَقْد .
في الْبدايَةِ أَنْكَر جَميلٌ أَنَّهُ يُكْثِرُ تَناوُلَ هذِهِ الأَطْعِمةِ.
فَقالَ الطبيبُ مازِحاً وَهُوَ يَتَحَسَّسُ بَطْنَ جَميل :
وَمِنْ أَيْنَ هذِهِ الكَرْش؟؟؟ –
صَمَتَ جَميلٌ مُحْرَجاً ، وَلكِنَّ الطبيبَ قالَ وَهوَ يَبْتَسمُ :
عَلَيكَ أَن تَكفَ عَنِ ” اللشِّ والرَّمْرَمَةِ” لأَنَّ لِكُلِّ شَيٍءٍ قانونَهُ ، وَعَلَيْكَ الْقيامُ بِالتَّمارينِ الرِّياضِيَّةِ بِصور’ٍ دائِمَةٍ ، لأَنَّ ” الْحَرَكَةَ بَرَكَةٌ ، ولِكَيْ تَعودَ لَكَ صِحتُكَ وَقوامُكَ الجَميلُ ، يا جَميلُ ، فَيُصْبِحُ اسْمُكَ عَلى جِسْمِك .
صَمَتَ الطبيبُ قَليلاً ثُمَّ أَرْدَفَ الْحَديث:
– – هَل تَعِدُني بِذلِكَ يا جَميل؟؟ لاذَ جَميلٌ بِالصَّمْتِ وَلَم يُجِب ، عِندَها سَأَلَهُ الطبيبُ مَرَّةً أُخْرى:

هَلْ تَعِدُني يا جَميل؟؟؟

رَدَّ جَميلٌ بِالإِيجابِ وَهوَ مُطَأطئُ الرَّأسِ خَجَلاً ، فَتابَعَ الطبيبُ:
– عِنْدَها سَتَستَعيدُ ثِقَتَكَ بِنَفْسكَ وَيَعودُ إٍليكَ ذَكاؤكَ ، لأَنْ ” الْبِطنَةَ تَذْهِبُ الْفطْنَةَ ” يا جَميلُ ، والبِطْنَةُ يا جَميلُ هَل تَعْرِفُها ما هِيَ؟؟؟
أَجابَ جَميلٌ بِالنَّفْي .
فقال الطبيبُ :
– اَلْبِطْنَةُ يا جَميلُ هِيَ السُّمنَةُ ، يَعْني السُّمْنَةُ سَبَبُ ضَعْفِ الذّكاء .
إِسْتَمَرَّ الطبيبُ يمازِحُ جَميلاَ ، وَيَتَحَسَّسُ بَطنَهُ وَقالَ:
– يَعْني إِذا كَبُرَتْ بَطْنُكَ هُنا … ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَهُ إِلى رَأسِ جَميلٍ …… يصْغُرُ عَقلُكَ هٌنا ..
وَاستَرْسَلَ في الْمِزاحِ:
– يَعْني كُلُّ صُعودٍ يُقابِلُهُ هُبوطٌ ، فَإِذا أَكَلْتَ بِشَراهَةٍ ، سَتَتَدَهْوَرُ صِحَّتُكَ وَيَقِلُّ ذَكاؤُكَ ، ثُمَّ إِنَّ السُّعُراتِ الْحَراريَّةِ التي يَكتَسبُها الْجِسمُ تُضاعفُ نَفْسَها، لِذلِكَ قَدْ يَصْعُبُ عَلَيْنا التَّخَلُّصُ مِنها لاحقاً ، إِذا لَمْ نَتَجَلّصْ مِنْها في الْوقْت الصَّحيحِ ، وَهذا يَصَعِّبُ عَلَينا الْعَوْدةَ إِلى قَوامنا .
وَمَعَ الإِرادَةِ والنَّشاطِ كُلُّ الْمَرَضِ يَزولُ وَيُصْبِحُ الْجِسْمُ مُعافى وَيَزدادُ قُوَّةٌ  وَنَشاطاً .. وَذَكاء…

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*