هناك قيم إنسانيّة خيّرة لا ترتبط بالمكان ولا الزّمان، ولا تقتصر على شعب دون آخر، ولا على عقيدة دون أخرى، بل هي قيم مشتركة ترتبط بالإنسان كإنسان أينما كان، ومثل تلك القيم الإنسانيّة الاجتماعيّة تصلح للجميع، وتشكّل القاسم المشترك
بين النّاس والشّعوب، وتتعلّق بوجود الإنسان وحقوقه وواجباته وكرامته.
فقدسيّة الحياة وحرّيّة الإنسان وكرامته وسلامته يجب أن تكون الهدف الأسمى الّذي نسعى لتحقيقه، لأنّ كلّ أبناءِ البشرِ يولدون بعد تسعة/سبعة شهورٍ من الحمل، ولا يكونُ إنسانٌ أفضلَ من الآخرين بفضل انتمائه القوميّ، أو عقيدته الدينيّة، أو بما يمتلك من ثروة ومال، ولكن ذلك يعود لقيمه الإنسانيّة ولأعماله وعطائه وضميره الحيّ!
ومن القيم الحميدة المنشودة الّتي يجب أن تكون مشتركة لجميع أبناء البشر أذكر:
الحرّيّة، المساواة، العدل، التّسامح، التّعاون، الإيثار، العطاء، المحبّة، الكرامة، الصّدق، الأمل، وغيرها…..!
لذلك كم تروق لي أبيات الفيلسوف الصّوفيّ ابنُ العربيّ (1165م – 1240م) المشهورة الّتي تدعو للتّسامح واحترام المُختلِف حيث يقول:
لقد صارَ قلبي قابِلًا كُلَّ صورةٍ – فمرعًى لغزلانٍ وَديْرٌ لرُهبانِ
وبيتٌ لِأَوثانٍ وكعبةُ طائٍف – وألواحُ توراةٍ ومُصحفُ قُرآنِ
أَدينُ بدينِ الحُبِّ أَنّى َتَوجَّهَتْ – ركائِبُهُ فالحُبُّ ديني وَإِيماني
فالفيلسوف ابن العربيّ بهذه الأبيات يُعلن أنّ في قلبه متّسعًا لجميع النّاس على اختلافهم دينًا وعِرقًا ولونًا…. وهو لا يقتصر في حبّه على المؤمنين بالدّيانات السّماويّة التّوحيديّة الثّلاث، بل يشمل أتباع الهندوس والبوذيّين الّذين يعتنقون قيمًا ليست بعيدة عن قيم الدّيانات السّماويّة مثل: تحديد ما هو الخير وما هو الشّر وغيرها من القيم الإنسانيّة.
وهذا الشّاعر الفيلسوف أبو العلاء المعرّيّ (973م – 1057م) رهينُ المحبسين – العمى ولزوم منزله – يُبهرنا بإنسانيّته الرّائعة حيث يقول:
ولو أنّي حُبِيتُ الخُلْدَ فَرْدًا – لمَا أحبَبْتُ بالخُلْدِ انفِرادا
فلا هَطَلَتْ عَلَيّ ولا بأرْضي– سَحائبُ ليسَ تنْتَظِمُ البِلادا
فأبو العلاء لا يحبّ دخول الجنّة منفردًا بدون الآخرين، ولا يرجو سقوط الأمطار بأرضه إذا لم تعمّ تلك الأمطارُ جميعَ البلاد!
وهناك القصيدة الرّائعة: “أنت وأنا” للشّاعر خليل الهنداويّ (1906م – 1976)
الّتي يحلو لي أنْ أقتبس بعضَ أبياتها:
أنتَ إنسانٌ وإنسانٌ أنا – فلماذا نحنُ خصمانِ هُنا؟
أرضُنا إنْ شئتَ تَغدو مسكنًا – وإنْ شئتَ استحالت مَدفَنا
كنْ كما شئتَ وخالفْ مذهبي – لنْ تراني حاقدًا مُضطغنا
مذهبِي الحبُّ وإيماني الهوى – لا غنىً كالحبِّ في دُنيا الفَنا
مَوطِني الإنسانُ لا لونَ لهُ – فاجعلِ الإنسانَ مِثلي مَوْطنا
إنْ زرعْنا البُغضَ يأكلْنا معًا – إنْ غرسْنا الحبَّ يُزهرْ حولَنا
ما أحوجنا جميعًا إلى التحرّر من التّعصّب والأنانيّة، وأن نسعى بصورة جادّة وصادقة لتبنّي تلك القيم المشتركة وتطبيقها لتحقيق الحياة الآمنة الهانئة لجميع بني البشر!