كعادتِه كلّ صباح، يجلس على كرسيهِ الهزّاز ممسكًا هاتفه المحمول، متصفّحًا مواقعَ التّواصلِ الاجتماعي. إنَّه كاتب قصص وخواطر، ينشرها على صفحتهِ الخاصّة وفي المجلّاتِ الألكترونيّة. وقد نَشر يوم أمس خاطرة أدبيّة ويهمه أن يقرأ تعليقاتِ القرّاء عليها.
يدخل إلى موقعِ إحدى المجلّاتِ الإلكترونية لكنَّه لم يجد خاطرته! يدخل إلى مجلّةٍ الكترونية أخرى… يبحث عن قطعتهِ الأدبيّة… لم يجدها أيضًا! يمتقع وجهه. يدخل إلى حسابهِ الخاص ويندهش! صفحتُه بيضاء خالية؛ لا قصص ولا خواطر ولا صُوَر، حتّى أصدقاؤه الافتراضيون قدِ اختفوا!
– ما لكَ ساهمٌ؟ هل قرأت خبرًا يزعجك؟
تسأله زوجتهُ الجالسة قبالته وهي ترتشف قهوتها بهدوء.
يردُّ عليها بصوت متوتّر:
– صفحتي في كل وسائلِ التّواصلِ الاجتماعي فارغة، وكأنّها لم تكن!
ضَحِكَت قائلة:
– وهو المطلوب. ستجلس لتتحدث معي منَ اليوم فصاعدًا وليس مع أصدقائك الافتراضيين!
ردَّ عليها بعصبية:
– كفى هزلًا! ضاع كلّ إنتاجي الأدبيّ وصُوَري التّذكاريّة و…
– اهدأ. ما زالَ النّهار في بدايته. كفاك تَوَتُّرًا!
قاطعته. ثمَّ اقتربت لتجلس بجانبه قائلة:
– سأدخل إلى صفحتك من هاتفي لأتأكَّد.
بحثت عن اسمه في جميع مواقعِ التّواصلِ الاجتماعي… فتحت عينيها بدهشة ناظرة إلى زوجها قائلة:- غريب! لا يوجد لك اسم في كل الصّفحات!
أخذ موبايلها وطفق يفتّش مرّة أخرى… ضرب يده على جبينه واندفع خارجًا إلى الشّارع يصرخ كالمجنون:
– ضاع تعبي… ضاعت قصصي وقصائدي وصوري التّذكارية… ضاع كلّ إنتاجي الأدبي…!
لحقت به زوجته تحاول تهدئته وإرجاعه إلى البيت، لِئلّا يسمعه أحد منَ الجيران.
– اِصح يا زوجي العزيز… أنت تحت تأثير حلم مزعج.
استفاق من كابوسه فاتحًا عينيْه بصورة مخيفة، حتّى أنَّ زوجته ارتعبت من نظراته. أسرع إلى هاتفه… فتح حسابه… دخل صفحته في إحدى وسائلِ التّواصلِ الاجتماعي فوجدها سليمة، لم يُحذَف منها شيءٌ. افترَّ ثغرُه عنِ ابتسامة اطمئنان، وتنفسَ الصّعداء.
دُهشتِ الزّوجة من تصرفاته غير المفهومة. وعندما لاحظ حيرتها، انشقَّ وجهه عنِ ابتسامة عريضة ناظرًا إليها. فاستولت عليها دهشة أكبر وغمرها وجوم.
لم يخالطُ النّعاس أجفانَهما في الهزيعِ الأخير من ذلكَ اللّيل؛ هو بسبب هواجسهِ المتلاطمة، وهي من ذهولها أمام ما رأته من تصرّفات زوجها الغريبة، الّتي يكتنفها الغموض…
عند انبلاجِ الفجر، كانَ الزّوج جالسًا على كرسيه أمام حاسوبهِ النًقال، يعمل على حفظ كلّ ما كتبه في المواقعِ الألكترونيّة في ملف خاص، استعدادًا لطبعه في كتاب، كي لا يضيع إنتاجهُ الأدبي هباءً، فيَسقط في هاويةِ النّدم.
لأنَّه لا يبقى في الوادي إلّا كتبٌ. (مع الاعتذارِ لصديقنا الّلاز)