كمْ أنتَ رائعٌ أيُّها الحُزنُ! د. محمود أبو فنّه

كتب د. جمال مرسي مؤسس ورئيس منتديات “قناديل الفكر والأدب” خاطرة بعنوان: “لحظةحزن” عبّر فيها عن ألمه واستيائه من لحظة حزن ألمَّت به، وتمنّى زوال تلك اللحظة، فكان ردّي عليه كتابة الخاطرة التالية بعنوان: ” كم أنت رائعٌ أيها الحزن!”.

     كم أنت رائعٌ أيّها الحزن!

      بفضلِك أيُّها الحزنُ الجميلُ عرفتُ السعادةَ والحبور!

    لولاك أيُّها الحزنُ الشامخُ، لمَا غمرنِي الفرحُ الغامر!

     مثلُك مثلُ الصعودِ الشاقّ الذي يعقبُهُ هبوطٌ وئيد!

            كم أنتَ رائعٌ ومباركٌ أيُّها الحزن!

           مَنْ لا يحزن بعمق، لا يقدّرُ قيمةَ الصفاء!

            أنتَ، أيُّها الحزنُ الأثير، تعرّي البصائر!!

           أنت، أيُّها الحزنُ الرهيف، تطهّرُ السرائر!!

      كم مرةٍ سامرتَني ورافقتَني في دروبِ الحياة!

      عرفتُك يومَ عبستْ بوجهِي الأمُّ الحنون!

       ذقتُك يومَ قسا عليَّ والدي الحازم!

     جرّبْتُك يومَ حرمَني الأترابُ مشاركتَهم ألعابَ الطّفولة!

     تحدَّيْتني يومَ بدأتُ أقارعُ الأبجديَّةَ على مقاعدِ الدِّراسة!

 

   تجرّعتُ مرارتَك يومَ رحلَ عن دُنيانا الأحباب!

   كم أنت فاتنٌ أخّاذٌ أيُّها الحزنُ الشّامخ!

  رأيتُك في أعينِ الصِّغارِ الأبرياءِ الذين فقدوا دُمَاهُم!!

  لمحتُك في وجوهِ المحبِّينَ الذين جارَ عليهم الزَّمنُ بالفراق!

   كنتَ معي وأنا أشاركُ الأهلَ فُقدانَ فلذاتِ الأكباد!

   قصمتَ ظَهري وأنا أرتشفُ بقلبي دموعَ اليتامى والأرامل!

   بفضلِك شعرتُ بإنسانيَّتي وبصحوةِ الضّمير!

       كم أنتَ حانٍ ورحيمٌ أيُّها الحزنُ المتألّق!

      غرستَ في قلبي البرَّ وأنا أرى عقوقَ الأبناء!

      وعلّمْتَني الرحمةَ مِن قسوةِ الآباء!

      أرضعتَني الإِباءَ وأنا ألمسُ كيفَ يُهانُ الأحرار!!

       أيُّها الحزنُ الوافدُ كم علّمتَني مِن دروس!!

       صقلتَ شخصيَّتي يومَ واجهتْني الصِّعاب!

        وسلّحتَني بالأملِ يومَ ظلّلنِي السَّحاب!

        وأطَلتَ قامَتي يومَ عصفتِ الأرزاء!

        وحينَها تردَّدتْ في مَسامعي مقولةُ:

        “لا شيءَ يجعلُنا عظماءَ غيرُ ألمٍ عظيم”!!

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*