كلمة وفاء للمرحوم المربّي الشّاعر الصّديق جريس دبيات – د. محمود أبو فنّه

(توفي في 17.5.25 وشيّع جثمانه في 18.5.25)

أثناء عملي مفتّشًا مركّزًا لتدريس اللّغة العربيّة وآدابها مدّة 32 عامًا تعرّفتُ على معلّمي اللّغة العربيّة في مدارسنا، وزرتُ المئات منهم في الصّفوف، وقد لمستُ لدى الكثيرين منهم الإخلاص والانتماء ومحبّة الطّلاب وموضوع اللّغة العربيّة بنصوصها ونحوها وصرفها.

وما زلتُ أذكر زياراتي لمدرسة كفر كنّا الثّانويّة والتقائي بمعلّمي اللّغة العربيّة، وأخصّ بالذّكر المعلّم المربّي الشّاعر جريس دبيات.

زرتُه في الصّفوف وشاهدتُ عنده أكثر من حصّة، ولمستُ عشقه للغة الضّاد، وإخلاصه في أداء رسالة التّربية والتّعليم، وكفاءته على إمتاع الطّلاب، وترسيخ حبّ لغتنا الخالدة بنصوصها الشّعريّة والنّثريّة ونحوها وصرفها، وقد ساهمتْ في ذلك موهبتُه في نظم الشّعر الإيقاعيّ الموسيقيّ، وذائقتُه الأدبيّة الرّاقية.  

كما استمدّ من دراسته الجامعيّة لموضوع اللّغة العربيّة والتّاريخ الإسلاميّ في جامعة حيفا عونًا في تحبيب اللّغة العربيّة وأدبها وتراثها.

بعد خروجي للتّقاعد عام 2009 بقينا أصدقاء أوفياء على الفيس بوك نتبادل قراءة النّصوص والرّدود، ومن أجمل ما كتب لي في أحد تعقيباته عام 2014 ما يلي:

((صباح الخير استاذنا الكريم

لا يمكن ان أنسى العلاقة التي جمعتنا على مدى السّنين، كنتَ فيها مفتّشا للّغة العربيّة وكنتُ معلّما لها في مدرستنا الثّانويّة. لقد اكبرتُ فيك، وما ازال، صدقك واخلاصَك وحبّك للعطاء … يسرّني ان نكون على تواصل مع انّك حاضر في بالي دائما … فمثْلك لا يُنسى على القرب والبعد)).

سيرة المرحوم بإيجاز

ولد الصّديق جريس دبيات في بلدته العامرة كفر كنا (قانا الجليل) عام 1950، تعلّم المرحلة الابتدائيّة فيها ثمّ واصل دراسته الثّانويّة في النّاصرة، والتحق بجامعة حيفا ليحصل على شهادة البكالوريوسB.A   في موضوع اللّغة العربيّة والإسلام عام 1970.

بعدها انخرط في سلك التّعليم حتّى خرج للتّقاعد المبكّر عام 2006م.

شعره ومؤلّفاته:

ظهرت موهبته الأدبيّة الإبداعيّة في سنّ مبكرة نسبيًّا، فنشر أوّل قصيدة له عام 1967م، ثمّ قام بإصدار دواوينه الشّعريّة التّالية:

– مع إطلالة الفجر عام 1994

– تظلّين أحلى عام 1996

– رماديّات عام 2001

كما تابع نشر القصائد في صفحته الفيس بوك.

يدور شعره الموزون الإيقاعيّ الموسيقيّ في عدّة دوائر: الدّائرة الذّاتيّة، دائرة الأسرة، دائرة المجتمع، ودائرة الوطن، والدّائرة القوميّة، والدّائرة الإنسانيّة الرّحبة.

حظي شعره باهتمام القرّاء والنّقّاد، فقد كتب عنه د. رياض كامل دراسة بعنوان: خطاب جريس دبيات الشّعريّ المنشورة في 2 أيلول/سبتمبر, 2022

لجريس قصائد تجسّد انتماءه لدوحة العروبة أذكر منها قصيدة يدعو فيها الله أن يوفّق فريق المغرب ليحصل على كأس العالم في كرة القدم عام 2022م، وأقتبس بعض الأبيات منها:

أَعِنّا عَلى فَوْزٍ مَدَى العُمْرِ مَرَّةً – يَرُدُّ لَنا أرواحَنا ليلةَ النّصرِ

نُصلّي فعِدْنا يا إلهي بِفرحةٍ – نُواصل فيها الحمدَ ليلًا إلى الفجرِ

وتَمِّمْ علينا الفوزَ بالكأس بعدَها – لِتبقى لنا فَخْرًا إلى أَبَدِ الدهْرِ!

وكان الشّاعر جريس محبّا وفيًّا لعائلته: الزّوجة والأبناء، وقد كتب قصيدة في تاريخ 21.10.22 يعبّر فيها عن عدم خوفه من الموت وحبّه للحياة من أجل أسرته وأبنائه حيث يقول:

وأكرهُ الموتَ لا خوفًا ولا جَزَعًا – وإنّما كَيْ أظلَّ الأُنْسَ للوَلَدِ

وأرتضيهِ وهُمْ حَولي بعافيةٍ – معْ هَدْأَةِ البالِ في عَيْشٍ مِنَ الرَّغَدِ

وفي تاريخ 7.1.23 نظم قصيدته الرائعة: “نشيد للوطن” جاء فيها:

فِلسطينُ وَحيُ السَّما مُذْ نَزلْ – وقُدْسُ العُروبةِ منذُ الأزَلْ

عَبَدْنا ثراها ولمّا نَزَلْ – نُجدّدُ في عِشقِها حُبَّنا

              …………………………………..

                …………………………………

نُريدُ السّلامَ لنا مَعْلَما – ونَبغِي الرُّقيَّ لنا سُلَّما

ونُنشِدُ في أرضِنا مِثلَما- لِكلِّ الشُّعوبِ يحِقُّ الغِنا

 

وأختتم كلمتي بإيراد قصيدته العاطفيّة الإيقاعيّة الجميلة المؤثّرة الّتي نظمها وهو يعاني من المرض في تاريخ 25.12.22وأهداها لزوجته الغالية أمّ الحكم في ليلة العيد:

سامحيني اليومَ أُمَّ الحَكَمِ – يا أَعَزَّ الخَلْقِ بيْنَ الأُمَمِ!

سَنَةٌ قدْ اَوْجَعَتْني سَقَمًا – كُنْتِ فيها فُرْجَتي مِنْ سَقَمي

يا مَلاكًا حارسًا يَحْفَظُني – لا يَنامُ اللّيلَ إِنْ لمْ أَنَمِ

يَدُكِ البُرْءُ إذا مَسَّتْ يَدي – حينَ أشكو في ليالي الأَلَمِ

لَيْلَةُ العيدِ الّتي كانتْ لنا – رَقْصَةَ القَلبِ ومَهْوَى القَدَمِ

لمْ أَعُدْ اُهْديكِ فيها غَيْرَ ما – يَنْثُرُ القَلْبُ كَلامًا في فَمي

صِرْتُ أَجْزيكِ كَلامًا فارغًا – لَيْسَ فيهِ غَيْرُ حِسِّ النَّدَمِ

لم يَزَلْ لي أَمَلٌ في قابِلٍ – أنْ يَعودَ البُرْءُ يَسري في دَمي

ويَعودَ العيدُ حُلْوًا مِثْلَ ما – كانَ يَحْلو في شِفاهِ النَّغَمِ

ويَصيرَ العيدُ أُنْسًا غامِرًا – صَحْوَةَ العُمْرِ وسَلْوى الهَرَمِ

يا عُيوني أَنْتِ في عَيْني رُؤًى – لِغَدٍ يَحْمِلُ أَحْلَى نَعَمِ

إنْ اُقَصِّرْ فاعْذِريني سَلَفًا – طالَ ما عَوَّدْتِني أَنْ تَرْحَمي

واقبَلي مِنّي سَلامًا يامِنًا – ها أنا أُهْديهِ عَبْرَ القَلَمِ

كُلُّ ما في الكَوْنِ صِفْرٌ في يَدي – ويَداكِ الكَوْنُ مُنْذُ القِدَمِ

لا يَزينُ الشِّعْرُ عيدًا، إِنَما – زِيْنَةُ الأَعْيادِ أُمُّ الحَكَمِ …..

لروح الصّديق الغالي المرّبّي الشّاعر السّلام والسّكينة والرّحمة.                   

2.6.25

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*