ورد في كتاب “العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده” من تأليف أبي علي الحسن بن رشيق القيرواني، 390-456 هجري/ 1000- 1064م:
“كلام العرب نوعان: منظوم، ومنثور. ولكل منهما ثلاث طبقات: جيّدة، ومتوسّطة، ورديئة، فإذا اتفق الطبقتان في القدر، وتساوتا في القيمة، ولم يكن لإحداهما فضل على الأخرى- كان الحُكم للشعر ظاهرًا في التسمية، لأن كل منظوم أحسن من كل منثور من جنسه في مُعترف العادة”.
ويضيف: “وقد اجتمع الناس على أن المنثور في كلامهم أكثر، وأقل جيدًا محفوظًا، وأن الشعر أقل، وأكثر جيدًا محفوظًا، لأن في أدناه من زينة الوزن والقافية ما يقارب به جيّد المنثور”.
وقيل: “ما تكلّمت به العرب من جيّد المنثور أكثر مما تكلّمت به من جيّد الموزون، فلم يُحفظ من المنثور عُشره، ولا ضاع من الموزون عُشره”.
وتلك وظيفة الشعر: فن لغوي يوثّق ويخلّد ما يجب توثيقه على المستوى الجمعي والفرداني، مع تطويع الثاني للأوّل، بدأ شفاهيًا وتطوّر وجدانيّا حتّى تطرب له الروح فيستقر في الذاكرة حين يلج طبقات الإدراك والحفظ. تلاها كتابيًا فحرّر جهد الحفظ وسرعة الإدراك من الدماغ إلى الورق، فخسر من تطوّره الوجداني وما تبعه من صياغة شرف المعنى ومُثوِّر الوجدان: الوزن والقافية، مع الإبقاء على شرف المعنى وشاعريّة الصورة. فتعايش الشعر العامودي مع “القصيدة المنثورة!” في عصرنا، إن صحّت تسميتها قصيدة! في نزاع وجودي مستميت، أحيانًا في منازع الشاعر الواحد ذاته! الذي قد يتقن النّوعين. (زاهر بولس)
كتب عبّاس محمود العقّاد في كتابه الرائع “اللغةالشاعرة”:
“إنّ فن النظم بهذه اللغة فن دقيق كامل الأداة مستغن بأوزانه عن سائر الفنون، ولكنه – على هذا –فن مطبوع لا كلفة فيه على قائل ذي قدرة على التعبير له نصيب من الشاعريّة والملكة الفنيّة، ومن هنا يظهر لنا كل الظهور أن الدعوة إلى إلغاء الأوزان ذات البحور والقوافي في اللغة العربيّة، لا تأتي من جانب سليم ولا تؤدّي إلى غاية سليمة، فلا يدعو إليها غير واحد من اثنين: عاجز عن النّظم”.
ويضيف العقّاد: “فإن لم يكن نقص الملكة الفنيّة سبب العجز عن أوزان الشعر العربي، والدعوة إلى إبطال هذه الأوزان، فهو إذن عمل من أعمال الهدم الصراح عن سوء نيّة وخبث طويَّة، يتعمّده المجاهرونبه لتقويض معالم اللغة ومحو آثار الأدب، وفصم العلاقة الفكريّة بين روائع الثقافة العربيّة في مختلف العصور”.
فلو عايشت فترة العقّاد لتبنيّت تحليله بالكامل في ظروف المرحلة، ولكنّا الآن في العام 2025، وأنا أوثّق هذا للأجيال القادمة، كيف نقيس الموقف ونحدّد المصطلح المتحرّك وجوبًا على محور الزمن، دون وجل من التغيير أو زيادة التدقيق في سُلّم التصانيف، فقد ظهر العديد من الشعراء الذين اتقنوا الشعر العامودي والشعر أو النثر الحداثي، ممن ينتمون إلى التيّار الوطني القومي أو الإسلامي، ويعادون الإستعمار ومشاريعه. مما يضفي الشرعيّة من جهة، ويطرح سؤال التسمية. لكن الشّاعرة مقبولة عبد الحليم تجاوزت هذه الإشكاليّة في هذا الديوان، فكتبت بحسب عامود الشعر، لكن نشأت اشكاليّة اخرى لم تتجاوزها، وهي الفارق ما بين الشعر والنظم، مما أوجب تسليط الضوء على جميل شعرها في هذا الديوان، خصوصًا قصيدة “هل سوف تمضي؟!” صفحة 11، وخصوصًا:
“هل سوف تمضي لأبقى مثل ساقيةٍ
جفّت وصارت من الأيّام ترتعدُ
الطيرُ يهجُرُها والماء ينكرها
تشكو وتندب حظًّا فيه تنفردُ”
ناقدّا قصيدة “قم للمعلّم” صفحة 48 على أنّها نظم وليس شعرًا