وشم الرماد – بنيامين حيدر*

في الزاوية…

امرأة تمسح وجهها بكفٍ من وجع،

تخشى أن ترى،

تخشى أن لا ترى.

امرأة أخرى

تشهد بصمتٍ لم يُكتَب،

عيناها تقولان ما لم تنطقه السماء،

كأنها تصلّي دون إله،

وتبكي دون دمع.

في المنتصف،

طفلٌ ملفوفٌ بالدم،

كأن الحياة لم تمنحه إلا نزف الولادة،

ثم سحبته إلى صمتٍ طويل.

الأمهات الأربع

يُمسكن بالخسارة كأنها خبزُ يومهن،

يتقاسمن الموت،

ويربطن على قلوبهن بضمادةِ صبرٍ مبلولة.

وراءهن،

سياجٌ لا يحبس الجسد،

بل يشرّح الروح،

ويُقسم الوطن إلى مربعاتٍ من خيبة.

يا رب،

أيُّ سماءٍ هذه؟

أيّ نورٍ يمرُّ من بين هذا الرماد ولا يحترق؟

لكن بين الأصابع المرتجفة،

ينبتُ شيءٌ صغير…

كأن الطفل، رغم دمه،

ما زال يهمس:

“أنا قادم…

ولو على صهوة الوجع.”

تنتفض يدُ الأم،

تشدُّ على القماط لا لتُخفي الجراح،

بل لتحتضن الوطن وهو يتكوّر على هيئة طفل.

من خلف الشبك،

تتسلّل شمسٌ خجولة،

تُلامس الجباه البيضاء،

كأنها تعتذر.

الصمت لا يطول،

فالنساء اللواتي بكين بصمت،

سيصرخن يوماً،

سيكتبن أسماء أحبّتهن على جدران الفجر،

وسيقلن للغيم:

“مررنا من هنا… وكنّا ضوءًا،

حتى وإن ظنّونا رمادًا.”

*بنيامين محمد حيدر من قرية عبلين، يكتب الشعر وعلى ابواب اصدار اول ديوان

*القصيدة من وحي لوحة الفنان الرفيق عبد عابدي

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*