بون شاسع بين صراع الحضارات، بين الشرق والغرب، كما يبدو للقارئ من العنوان، وبين إقامة مدرسة عصريَّة نموذجيَّة في بقعة أرض حباها الله بالرّقة والجمال، ومن وجهة نظري في أجمل بقعة على وجه الأرض، جعل أهلها يتنافسون على مكان إقامتها بين الجهة الشرقية الجميلة والناحية الغربية الاجمل.
ليس صراع حضارات ولا تلاقح حضارات بين الشرق والغرب، ليس هذا ما اقصده من العنوان أعلاه، فقد حسمت أمري منذ مدَّة طويلة في مسألة صراع الحضارات بين الشَّرق والغرب ووصلت إلى خلاصاتي قبل أن أكتب هذا العنوان اللافت، ولذلك لا أنوي النّقاش فيه أو التَّعمق في طرحه، لا أخفي على القارئ، فقد اكتشفت أنَّني عشت عمري كلّه في كذبة كبيرة أو هكذا أشعر، اسمها حضارة الغرب العظيمة مقابل حضارة الشرق البائسة اليائسة والمتخلفة.
الحضارة الغربية ألَّتي تدَّعي حمل القيم الإنسانية العليا من حرّية رأي وديمقراطيّة وإنسانية وتربية أخلاقية وسلوك إنساني وثقافي، لاكتشف أنَّها تحوي غلاف حضاري مظهرًا وكأنها خلاصة الفكر الإنساني وقيمه، وفي جوهرها كل قاذورات ومخلفات البشرية، أي أنَّها حضارة مزيَّفة جوهرها العنف وسحق الانسانية بأسلحة فتاكة، غلافها تعاليم الشَّرق العظيمة لإخفاء جوهرها القاتل. إنها حضارة الاستعمار البغيض وثقافة القتل للرخيص لان الانسان الشرقي اقل قيمة من الحيوان في نظرهم. ومن لا يصدقني فليسأل، الهنود الحمر او اطفال غزة وان لم يقتنع فليشرب من بحرها.
حضارة الغرب حضارة مسروقة منهوبة من رأسها إلى أخمص قدميها من حضارات الشرق العظيم، وباسمها يحاولون اليوم سرقة ما تبقى من الثروات وإنهاء الوجود الحضاري والإنساني الشرقي عليها من خلال نهب خيراتها وثرواتها وابادة تراثها وتقزيم دورها ومكانتها، وجعل الانسان فقيرًا مشردًا ومشتت الذّهن، مصاب بمتلازمة ستوكهولم، يعيش على هامش التاريخ، حتى تتم سرقته دون أن يعي مكانته ودوره، بل يدافع عن مغتصبي أرضه وعرضه. والحضارات العظيمة التي تعاقبت على العالم حتى اليوم، هي حضارات الشرق، الصينية واليابانية والفارسية والهندية والاسلامية والعربية والمصرية والعراقية والاشورية والكنعانية، وحتى اليونانية التي حفظها العرب من الضياع تعد حضارة أقرب إلى الشرق من الغرب وغيرها.
الحضارة الشرقية هي التي أسست وثبَّتت وأرست دعائم الحضارات الإنسانية، بقيت حتى جاء الغرب ليفرض سيطرته وهيمنته على كل شيء في الشرق حتى على الانسان، إنَّهم لصوص حضارات ولصوص تاريخ الإنسانية، زوروا متاحفهم لتروا الحقيقة بأمّ العين، قمّة حضارتهم صناعة القنابل وإبادة الحضارات من أجل السيطرة، القوي يأكل الضعيف، والانسان قيمته بالدولار، فبئس الحضارة وبئس الانتماء اليها. علينا مراجعة التاريخ لوضع الأمور في نصابها واستنهاض الشّرق ليقوم بالدّور والريادة وأخذ القيم الإنسانية للصعود بها من حيوانية الغرب الى إنسانية الشرق وتعاليمه.
ولكن الشيء بالشيء يذكر، فقد حضرت وشاركت قبل أيام في نقاش حضاري في مسألة تربوية وثقافية، في جوهرها اقامة مدرسة عصرية نموذجية في قريتي كوكب، دعا اليها المجلس المحلي، كي يختار موقعًا نموذجيًا لإقامتها، حضره مجموعة كبيرة من الشباب المتعلم والمتخصص والمثقف من أبناء كوكب، وقد اثيرت مسألة الموقع في نقاش مثير بين من اختار الجهة الغربية ومن اختار الجهة الشرقية من القرية، نحن نعيش في قرية جميلة بطبيعتها وتضاريسها، وفي أي جهة منها ترى الطبيعة البكر والجمال الأخَّاذ، فغربها فيه فضاء مفتوح على جمال الوطن من شماله إلى جنوبه، وشرقها مفتوح على طبيعة وتضاريس متنوعة تشتهيها العين والقلب والعقل، وهذا ينعكس إيجابًا على أبنائها، بسلوكهم وتصرفهم ووعيهم العلمي والثقافي، ونقاشهم الحضاري، لتصل إلى معادلة صعوبة الاختيار بين الشرق والغرب، وهذا ما أخذني ،وأنا أتأمَّل المشهد أثناء النقاش، إلى صراع الحضارات أو تلاقح الحضارات، ووعي هذا الجيل الرَّائع أمام تطوّر البشرية، ومشهد الدَّم النازف من شعبنا في معركة وجوده على هذه الأرض، ومن خلال روحهم الوطنية الوثابة وانتمائهم العميق لقريتهم ولوطنهم، انهم اساس بناء وتطور الحضارة التي شوهها الغرب المتوحش.
تابعت نقاش الشباب باهتمام بالغ، لأعرف كيف يفكرون، اكتشفت أنَّنا نملك خامة من الشباب المتعلم المثقف الواعي يستطيع أن يقود دولة لا قرية، يعرف الحدود، يناقش بموضوعيّة، يطرح الأفكار الخلاقة الواعية، وجهات نظر تعتمد على العلم والمعلومات العلميّة، يحترم النّقاش، ينظر إلى الموضوع من جميع زواياه، يتحدى العصر برؤية واضحة وببرنامج متطوّر مع العصر ، ومجلس محلي يصغي بمنتهى المسؤولية لهذه النقاشات، ولنخلص إلى نتيجة أنَّنا ما زلنا بألف خير، وما يمر به مجتمعنا غمامة صيف عمَّا قريب تنقشع، نستطيع بهذا الكادر من الشّباب أن ننطلق كالمارد من القمقم، ونبني الحياة كما نشتهي، نريد مدرسة عصرية نموذجية في كوكب لا شرقية ولا غربية نريدها كوكبية، نريد لابنائنا ان يعيشوا بأمن وأمان، لأننا نحب كوكب.
15.4.2025