ما لقيصر لقيصر وما لله للشيطان_ عفيفة مخول خميسة    

” فالمجد لله في العلا.” ونقطة في آخر السطر الأول، فلا سلام في الأرض يرجى، ولا مسرّة في الناس…! هذا ما ينتهي إليه القارئ ما يدور في كرات النار في أرض مولودة من النار!

   أما أنا السامع بالموعظة، ولم يقرأها، فقد عصيتُ أمر القواعد، لأستنبت من الأصل السؤال: تُرى، ما المقصود بِ “مال الله”؟ وأفهم أنّ مال الله يرمز للثروة الروحيّة، استنادًا لحقيقة أنّ النزاع بين الأرضيّات والسماويّات قائم منذ البدء. وعليه تصحّ القراءة: أعطِ ما لقيصر لقيصر وما لله لله. لكن، مع ديمومة واستفحال الصراع، وتوسّع دائرة استحكاماته، تكون الأصحّ قراءته: أعطِ مال قيصر لقيصر ومال الله لله!هذا ما دام المخاطَب الأوحد هو مدير مصرف المال العالميّ المركزيّ، والذي جرش عقل قيصر بثلاثين وعدًا مطليًّا بالفضّة، قبل أن يجنّده لترويض الروح العليّة، وإخضاعها للقانون البنكيّ المعمول به… وبه كان فصل الخطاب!

    لاحظتُ منذ مدة طويلة أنّ رفيقي كثيرًا ما يستخدم حاجبيه ميزان “شقله” لا يستقرّ على حال… فسألتُه عمّا يزن أو يحسب، وكان جوابه مرة بعد مرة: أظنّ أنّ الصراع قد أشرف على نهايته، ولصالح الشيطان!

   لم أُصدم؛ وكأنّني كنتُ أتوقّع هذا الإخراج لجملة أعياني تحديد صيغة لها. فأطلقتُني، في لحظة، حوّامةً تستعرض الفضاء المثقل بهموم الأرض، وأتسلّل من خلال عجزي، باحثة عن كوكب يصلح ملجأً لجيل الأحفاد المحكومين للعيشفي حالة طوارئ تنذر بالأسوأ يومًا بعد يوم… لكن، سرعان ما تحرّرتُ من الوهم متذكّرة أنّ الكواكب الجيران مجرّد كتل مشتعلة، وقفر رهيب. وأعود صاغرة مدينة لأرض الماء والنار والهواء، مكتفية بتمجيد الله في العلا، مع إضافة نقطة على السطر الأخير!

   فأنا المشرقيّ المسيحيّ المولود وفي زندي هويّة ثبوتيّة تشهد على تجذّري في هذه الأرض، أعلم يقينًا أنّ عصر الحكم المطلق للشيطان قد أُعِدّ له منذ قرون، والأدلّة على هذا مقرونة بشواهد عدّة، منها المعمّم الغنيّ عن التبيان، ومنها المستور في كواليس القيصريّة، وهي الأبغض والأخطر… هذا ما تشي به حال المسيحيّة في العالم إجمالًا، وفي شرقنا المنهك تحديدًا، وقد تحوّلنا من أصحاب صرح لمكسر عصا المتناحرين. ونعيَّر أنّا قليل عديدنا، ويُلمَّح لنا بأنّا هنا “شرّابة خُرْج”، فيما يعرف التاريخ (أنّ الكرامَ قليلُ)!

   أنا المسيحيّ المشرقيّ المقدَّر له أن يتتلمذ على يد ملك السلام، ويتأصّل في هذه الناحية من الأرض، موكل بضبط إيقاع ثقافة المحبّة، ونقلها من جيل لجيل، ومن قاطع لقاطع… وقد تمتّعتُ بذاكرة حادّة تعيدني، مع كلّ نقرة أو طلقة، لقوله: “أنتَ الصخرة يا بطرس…”!

   أنتَ الصخرة يا بابا الفاتيكان، ورأسكَ هو المطلوب. فلقد حكم الشيطان، وأعدّ العدّة اللازمة للاستثمار في مال الله. فاحمِ رأسكَ، أو تتحطّم الصخرة بمن عليها من رعاة، “وطوباويين”… فأنتَ لا تجهل أنّهم قد باتوا مجرّد “موظفين” في بلاط قيصر؛ فإمّا… وإلّا أُقيلوا!

   فما أمرّها حقيقة! وما أصعب الشعور باليتم يا بابا، خاصّة في زمن الفاقة الأمنيّة والمجاعات الروحيّة هذه! وخاصّة أنّنا لا نعتبر الضرب بسيف السلطان واجبًا مدنيًّا، بل خيانة! ولا بمشاركته المائدة واجبًا اجتماعيّا، بل ضعفًا وهوانًا، فما بالك لو كنّا نرى فيه ربّ مهالك الإنسانيّة؟!

   فترجّل أيّها الكريم قبل أن يعمّ الرعايا جوع لا حياة بعده! إفعلها، ولن تجوع لكرامة ما دمنا نحن بسطاء القلوب أهلكرامة، بها نوقد نار القِرى في وطن الفداء الحبيب!

  أمّا بعد، فلقد ذهب دمكَ هدرًا، أيّها المعلّم الفادي! ونتساءل: هل غاب عن مثلكَ أنّ نقل الصخرة من مكانها يزعزعها؟ فهذا ما حصل سيّدي. وتحوّلت الصخرة لمنصّة قيصريّة غربيّة الهوى، رقميّة المزاج، واستُثمرت في بزاراتقياصرة المال. والبطارسة اللاحقون، لعلمكَ، مراؤون، يدكّون الصخرة ويطحنون منها صلوات من أجل السلام للعالم!!أمّا نحن رعاياكَ الأصيلين، فأقصى ما نرجوه منهم هو أن “يلحقنا طرطوشه”!  

   هفوة حسابيّة ذهبت بدمكَ وحُلمكَ. فهل تجترع أُعجوبة، تقتحم حظائر الخنازير، وتفجّر معالفهم؟ أم تكتفي بإصدار أمر صارم بتحييد الرأس عن الضربات القاتلة؟ إذ، دون هذا سنبقى مكرّسين عِملة يُنتفَع بها عند كلّ مناقصة ومزايدة!!فتصرّف بما ترى، “إيدنا بزنّارك”!  

 

     

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*