قراءة في كتاب: “إنّها مجرّد منفضة” للأديب الشاعر سميح القاسم_ د. محمود أبو فنّه

قرأتُ هذا الكتاب الذي يعتبر سيرة ذاتيّة لشاعرنا وأديبنا الكبير سميح القاسم وأعترف أنّي تعرّفتُ على جوانب في حياته وملامح في شخصيّته كانتمجهولة عندي.

ويلاحظ أنّ الأديب الشاعر سميح لم يلتزم في سيرتهبالتسلسل الزمنيّ، حيث يكتب: 

“أنتَ لا تكتبُ تاريخًا، ولا تلتزمُ بالتدرّج الزمنيّ” (إنّها مجرّد منفضة، ص 25)، ويكرّر نفس المعنى فيقول: “التسلسل الزمنيّ هذا هو من شأن المؤرّخينوالأكاديميين” م. ن. ص 172).

وقد أكثر سميح من التداعيات والاستطرادات، لكنّه ظلّ في مركز الأحداث، فتحدّث عن عراقة عائلته ونضالها، واستعرض أحداث حياته مؤكّدًا على انتمائه القوميّ والإنسانيّ، كما تناول مسيرته الشعريّة التي ارتبطت بالواقع والحياة المعيشة لكونه “لا يؤمن بفصل الإبداع عن الحياة” (م. ن. ص13). 

برز في هذه السيرة كثرة الرحلات والسفر التي قام بها الشاعر سميح إلى خارج البلاد، وكان لذلك أثرٌ في إنتاجه الأدبيّ، حيث يقول: “تكرّرت سفراتُك … جوًّا وبحرًا وبرًّا.. وكنتَ تعودُ من كلّ رحلة بشحنة عاطفيّة كبيرة، وبنارٍ جديدة لأحطابِ التجربة، وبماءٍزلالٍ لسنابلها وورودها..” (م. ن. ص104)

وسميح يؤكّد على عشقه للكتابة:

“لن تكفّ عن الكتابة إلّا إذا كفّت الكتابةُ عنكَ. وتعلم أنّك تحبّ الكتابة، وتؤمن بأنّها تبادلك حبًّا بحبّ..”(م. ن. ص 169)

وتطرح السيرة الكثير من الأفكار والآراء والمبادئ التي يؤمن بها سميح ويدعو لنشرها وتعميمها؛ فهو يعتنق مبدأ “الندّيّة” مع الناس والآخرين، وهو ضدّ كلِّ مَن يحتكر الوجع لنفسه فيقول:

“لا أحد يستطيع احتكار الوجعِ الإنسانيّ. ولا أحد يستطيع احتكار حقوق الإنسان ومبادئ السلام والحريّة والديموقراطيّة والتعدّديّة..” (م. ن. ص200)

ويتطرّق سميح لحياته في السنوات الأخيرة بعد حادثة الطرق التي هرست قدمه وألجأته إلى العصا/العكازة، فيخاطب نفسه ذاكرًا الوهن الذي أخذ”يتحرّش بجسدك لا يكفّ عن التحرّش بذاكرتك ايضًا” (م. ن. ص 278)، ويعترف أنّه بدأ يتناول الفيتامين ليحافظ على ذاكرته من النقصان والنسيان.

الكتاب جديرٌ بالقراءة، فهو مشوّق في أسلوبه”السهل الممتنع”، وثريّ وقيّم في مضمونه الرحب المتنوّع.

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*