وقفة مع كتاب: مِن ثمار الفكر للأستاذ الأديب أنطون فرح – الدكتور منير توما

أصدر الأستاذ الأديب أنطون حنا فرح مؤخرًا كتابًا جديدًا تحت عنوان “من ثمار الفكر” يشمل على أقوال ومقطوعات أودعها خلاصة تجاربه في الحياة، وعصارة الكثير من بنات أفكاره، ممّا يتضمّنها من نماذج من المعاناة الاجتماعية والإنسانية، لإذاعتها في الناس تعبيرًا عن مواقف تحتوي على رسائل تعليمية وتربوية وأخلاقية، يتعظ بها المتّعظون، وتوجَّه إلى مختلف الأجيال.

وهنا في هذا المجال، يتلاقى الفِكر والقول الحكمي التعليمي على الوسائل والأهداف؛ بيد أنّ الأفكار والأقوال الحكمية التي وردت في هذا الكتاب، سواء ما جاء منها في شكل عبارات موجزة مستقلة بذاتها، أم في أبيات شعرية منتقاه من شعر كبار الشعراء، أم في مقطوعات منثورة تحمل العديد مِن آراء الكاتب واعتقاده في بعض الشؤون الحياتية المتنوعة على اختلاف أغراضها؛ وذلك، لأنّ الفكرة الحكمية قابلة لاستيعاب الوسائط الفنية الجمالية لاسيما اذا تمّ صياغتها بأساليب متعدّدة المعاني سواء أكان ذلك بشكل يَنمّ عن مفارقة أدبية اجتماعية أو بطريقة ساخرة أحيانًا فيما يجذب القارئ إلى التمعن فيما وراء الكلمات وتمحيص المعنى المراد من خلال الألفاظ.

ونحن نلمس في هذا السياق أنّ الكاتب يعتمد في هذا الكتاب على إيراد مثل هذه الأمور مستخدمًا أيضًا قصصًا قصيرة جدًا (very short stories) لإيصال العِبرة إلى القارئ، لأنّ في العبرة المستقاة من مثل هذه القصص تبدو الحكمة التي هي بنت النظر العقلي، أصلًا، وقد تعتمد على الذاتية الشعورية والخيالية بمقادير معينة؛ فالكلام في هذا الميدان هو وليد الإنفعالات العاطفية النابعة من اختبارات مجتمعية شخصية أو عامّة في الحياة، أساسًا، مع ما قد يواكب ذلك من أفكار عقلية مجردة. وهكذا فإنّ الأفكار الواردة في هذا الكتاب تتحدّد بأنها خلاصة نظرية وعملية للكاتب، تقوم على التبصُّر بشؤون الحياة العامة، واستخلاص العبرة منها، وصوغها صياغة فنية ملموسة، تتمتع بصفة التأثير الشخصي والاجتماعي على القارئ الذي يُعنى بمثل هذا الأدبيات التي تتَّسِم بالسهولة والسلاسة اللغوية، والبُعد عن المواربة والتعقيد، بما يتيسر من شوق الفكر والقيم الإنسانية، ومن فنية العرض وجمالية الفكرة المطروحة، في آنٍ.

لقد جاءت الحكمة والمواد المتنوعة من أفكار لدى الأستاذ أنطون حنا فرح في هذا الكتاب على شكل ومضات سريعة تلتمع هنا وهناك في كل الأغراض، وفي معظم الأحيان؛ ومن اللافت أنّ الكاتب يأتي أحيانًا بخاطرة فلسفية بسيطة؛ لأنّ الفلسفة تقتضي نظامًا بسيطًا منطقيًا، يشمل الحياة وما بعد الحياة بكل المعاني التي تراود الإنسان. فمن حكمة الكاتب المبتوتة في كتابهِ قوله (ص 23): “أصدق نور، نور الدعاء، نور الأمانة والوفاء – الذي يشع من السماء.” وهذه الحكمة هي حكمة القلب والنفس التوّاقة إلى سلام الروح عبر التأمل في حقيقة الحياة، والعقل الذي لم يتجرّد من الأخلاق الكريمة والعاطفة الإيمانية الصادقة، ولم يسلك مسلك الجمود الوجداني الضيّق المحدود.

لقد اعتمد الكاتب في مختارات كتابه هذا على ما اعتمد في فكرهِ وتبلور في ذاتهِ من فلسفات عالمية من مختلف العقائد والحضارات في عصورٍ مختلفة متوخيًا الإرشاد التوجيهي عبر الإفادة والتنوير باستنتاج المعنى وراء القول المراد تمريره للقارئ وذلك بصورة خواطر تمليها عليه الظروف المختلفة.

إنّ الكاتب الأستاذ أنطون فرح يحاول أن يعمل العقل في كل قول وارد في الكتاب. ونلمح أحيانًا أنه يحاول في حكمته أن يبدو ناقدًا ساخرًا، وهو في بعض سخره يعبّر عمّا في نفسهِ من شيء من المرارة والاستياء والامتعاض من سلوكيات وتصرفات عدد من الناس في هذه الحياة، فهو يجعل للعقل محلًا واسعًا في مذهبه الفكري وفي إظهار الحكمة للمتلقي لتوسيع نطاق المعرفة وتحصيل الفائدة المنشودة والمرجوّة لكثير من الناس.

يسترسل الكاتب في ابداء النصح والإرشاد بعباراتٍ وأقوال مقتضبة، لكي تكون دستورًا أخلاقيًا يتضمن آداب النفس، وآداب المعاملة، وهو قائم على نظرة جديّة إلى حقيقة الأشياء من غير ما تمويه ولا مواربة، فها هو يقول في هذا الصدد (ص 124): “أجمل الرجال مَن يملك قلبًا طاهرًا، عقلًا مفكّرًا وروحًا شاكرًا”.

وهنا من الملاحظ أنّ في هذا المعنى يدعو إلى الرصانة، والصدقية، والامتنان، والتحلّي بكل أشكال الطاقة الإيجابية في هذه الحياة.

وختامًا، لا بُدَّ لنا أن نشير إلى الفنيّة الرائعة في تصميم غلاف الكتاب بريشة نجل الكاتب د. حنا أنطون فرح الذي أظهر بذلك موهبةً رفيعة في مجال الرسم والفن التشكيلي، فله منّا ولوالدِه الكريم الأستاذ أنطون فرح خالص التهاني وأطيب التمنيات بدوام التوفيق والإبداع والعطاء.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*