الخيول والوفاء: قراءة نقدية لرواية “حسناء فارس” – ديمة جمعة السّمان

الرواية التي بين أيدينا تسلّط الضوء على علاقة مميّزة تجمع بين الإنسان والحيوان. تجمع الرواية بين عناصر المغامرة، والإصرار، والحبّ العميق الذي يتجاوز المألوف، ليجسّد معاني الوفاء والارتباط العاطفيّ بين فارس وفرسه حسناء.

هذه العلاقة ليست مجرّد علاقة بين مالك وحيوانه، بل علاقة تكشف عن قيم سامية، كالمسؤوليّة، والشّجاعة، والإصرار على استعادة الحقّ مهما بلغت التحدّيات.

قوّة السرد والبناء الدرامي:

اعتمدت الرواية على سرد خطّي تقليدي يركّز على الأحداث وتصاعدها بشكل واضح.

في بداية الرواية، قدّمت لنا الكاتبة فارس كفتى يعشق الخيل، وهي بداية تستقطب الفتيات والفتيان على حد سواء، إذ تجعلهم يتعلّقون بشخصيّة فارس، التي تمثّل طموحاتِهم وشغفَهم الشخصيّ.

تطوّر الأحداث من شراء الفرس، إلى تدريبها والفوز في السباقات، ثمّ إلى محاولة سرقتها، يُظهر تصاعدًا دراميًا جذابًا يثير فضول القارئ ويجذبه لمتابعة الرّواية حتى نهايتها.

الشّخصيات ورمزيتها:

• فارس: يمثّل الشغف والإصرار والطموح.

اختياره كفتى في عمر المراهقة يجعل القارئ الشاب يتماهى مع أحلامه وتحدّياته.

• حسناء: ليست مجرد فرس، بل رمز للوفاء والحريّة والقوّة.  

إذ أنّ حسناء ليست شخصيّة ثانويّة، بل رفيقة درب لفارس، تفهمه وتشاركه المغامرات.

• الشخصيّات الثانويّة مثل اللصوص والتاجر البريطانيّ: على الرغم من أنهّا لم تحظَ بالكثير من العمق، إلا أنهّا كانت ضروريّة لدفع الحبكة وإبراز التّحديّات.  

الثيمات الرئيسة في الرواية:

الرواية تتمحور حول عدّة ثيمات، أهمها:

• الشغف والمسؤوليّة: يظهر فارس كشخص قادر على تحمّل المسؤوليّة، وهذا يعزّز لدى القارئ الشّاب أهميّة الالتزام بما يحبّ. 

• القيم الإنسانيّة: مثل الوفاء بين الإنسان والحيوان، والعدالة في استعادة الحقّ.  

• الإصرار على الحلم: يظهر ذلك في قرار فارس استكمال دراسته في لندن فقط لاستعادة فرسه.

• اللغة والأسلوب: تميّزت الرواية بلغة بسيطة وسلسة تناسب الفئة العمريّة المستهدفة، مع لمسات وصفيّة جميلة خاصّة في مشاهد اللقاء بين فارس وحسناء.

استوقفتني بعض المواقف والمشاهد التي تحمل في طيّاتها معانٍ ورسائل ضمنيّة ومدلولات خفيّة وعميقة:

• مشهد المحاولة الأولى الفاشلة لسرقة حسناء: يعبّر عن أن الطموح المدعوم بالعزيمة والشجاعة قادر على مواجهة أي عقبة.

• سرقة حسناء لاحقًا: يشير إلى أنّه حتى الأحلام قد تُسلب أحيانًا، لكن المثابرة تعيدها. 

• السباقات كرمز للتحدّي والانتصار، ومشاركة حسناء في السباقات، وتحقيقها المراكز الأولى، ترمز إلى رحلة تحقيق الأحلام التي تحتاج تدريبًا، التزامًا، وإصرارًا.

• السباقات تُبرز كذلك جانب التنافس الشريف كقيمة مجتمعيّة.

• اللصوص ليسوا مجرّد شخصيّات شرّيرة، بل يمثّلون في القصّة العقبات الخارجيّة أو الأشخاص الذين يحاولون استغلال الأحلام أو تحطيمها.

• السفر إلى لندن: قرار فارس بالسفر يعكس معاني التضحية والتكيّف مع تغييرات الحياة الكبرى من أجل هدف سامٍ. لندن هنا رمز لعالم جديد يحمل تحديّات وفرصًا مختلفة.

• فارس، على الرغم من عمره الصغير (14 عامًا)، يظهر مستوى عالٍ من المسؤوليّة والالتزام تجاه حسناء. هذا يوجّه رسالة للمراهقين حول أهميّة تحمّل المسؤوليّة في سن مبكرّة.

• القصّة لم تُظهر دور الوالدين بعمق، لكنها أشارت إلى دعمهما الماديّ والمعنويّ لفارس، وهذا يعكس أهميّة الأسرة في دعم الشغف وتطوير المواهب. 

القيم الأخلاقيّة: كان هناك العديد من القيم، منها:

• الوفاء: يظهر في علاقة فارس بحسناء وكيفيّة رفضه التخلّي عنها رغم الإغراءات الماليّة.

    • الإصرار على تحقيق العدالة: لم يقبل فارس الاستسلام للظلم وسعى لاسترجاع حقه، وهي رسالة مفادها أن الأحلام تحتاج إلى تضحية، فلم يكتف فارس بالحزن على فقدان حسناء، بل حوّل ألمه إلى طاقة إيجابيّة قادته إلى النجاح الأكاديميّ، والانتقال إلى لندن، وتحقيق هدفه باستعادة فرسه.

• العلاقات الإنسانيّة عبر الحدود: التعارف مع زميلته لارا،ابنة الرّجل البريطانيّ الذي اشترى حسناء، يعكس قدرة الإنسان على بناء جسور تواصل مع ثقافات وشعوب مختلفة، ممّا يعزّز قيمة الحوار والتّفاهم العالميّ.

• أهميّة التّمسك بالمبادئ: القصّة تعلّم القارئ الشاب أنّالمال ليس كل شيء، وأنّ الوفاء والحبّ والشّغف يجب أن تبقى فوق كلّ الاعتبارات الماديّة.

وأجمل ما في الرواية هي النهاية المفتوحة التي اختارتها الكاتبة، فهي تسمح للقارئ بتخيّل مستقبل فارس وحسناء.

هل سيعود فارس مع حسناء إلى وطنه؟ أم أن حياته ستتغيّر كليًا في لندن؟ كيف ستؤثّر علاقته بابنة الرجل البريطانيّ في مستقبله؟ هل سينطلق فارس في مغامرات جديدة مع حسناء؟

هذه النهاية تشجّع على التفكير النقديّ والتفاعل مع النص، وهو ما يجعل الرّواية أكثر جذبًا للمراهقين الذين يبحثون عن قصص تلهمهم دون أن تقيّد خيالهم.

في الختام، لا شكّ أنّ رواية “حسناء فارس” تحمل رسالة قويّة للشباب عن أهمية التمسّك بأحلامهم ومواجهة التّحدّيات بشجاعة.

رواية تستحقّ الإشادة كعمل يلهم القرّاء الشباب ويشجّعهم على تقدير بعض القيم مثل الوفاء، والإصرار، والمسؤوليّة.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*