أعترفُ أنّني كلّما قرأتُ وتعمّقت وبحثتُ عن ماهيّة السّعادة، توصّلتُ للنّتيجة:
لا توجد تعريفات متّفق عليها حول السّعادة، “ولا توجد وصفات جاهزة للسّعادة تصلح للجميع”! (لونوار:7)
فالسّعادة تختلف وتتنوّع تبعًا: للثّقافات المختلفة، وللأفراد في مراحل حياتهم المختلفة،
كذلك يرى الباحثون أنّ السّعادة تتّصف بكونها نسبيّة وذاتيّة وليست مُطلقة وواحدة للجميع.
وهناك العديد من الباحثين والمبدعين من يعارضون استخدام كلمة السّعادة ويفضّلون التّحدّث عن “الهناء الذّاتيّ” أو الغبطة والرّضا.
كما يشير الباحثون إلى أنّ السّعادة لا تعتمد بشكل كبير على العوامل والإنجازات الخارجيّة، بل تنبع من أفكارنا ومشاعرنا الدّاخليّة ومن حالة السّلام الدّاخليّ، وتتحقّق من: “الاشتغال الدّاخليّ على أنفسنا مثل: معرفة الذّات، والتّحكّم بدوافعنا، وإلغاء المشاعر الّتي تبعث على الاضطراب أو الثّورات الذّهنيّة الخاطئة” – (لونوار:233)
وهناك من يؤكّد على ضرورة امتلاك الإنسان الوعي للسّعادة ليكون سعيدًا،
“فالسّعادة هي إحساسٌ إنسانيّ مرتبط بوعي الذّات، ولكي يكون المرءُ سعيدًا، عليه أن يكون واعيًا بهنائه” (لونوار:21)
ومن الطّريف ما يقوله بعض الباحثين من أنّ المعاناة قد لا تكون سببًا في فقدان السّعادة شريطة ألّا تكون تلك المعاناة دائمة، ويأتون بمثل الأمّ الحامل الّتي قد تكابد معاناة آلام المخاض والولادة، لكنّها في الوقت نفسه تشعر بالسّعادة التّامّة انتظارًا للحظة ميلاد طفلها! (لونوار:228)
وقد حاولتُ تتبّع بعض الآراء حول السّعادة، ويسرّني أن أعرض بعضًا منها:
- هناك من يرى أنّ السّعادة تتحقّق في توفر المال والثّروة الّتي بواسطتها يستطيع المرء الحصول على الضّروريّات والكماليّات!
لكن الشّاعر الحطيئة يقول:
ولستُ أرى السّعادةَ جمعَ مالٍ – ولكنّ التّقيَّ هو السّعيدُ!
أي إنّ السّعادة تتحقّق بالتّقوى والإيمان الصّادق، وبالالتزام بشعائر الدّين ومعتقداته.
- وهناك من يعتقد أنّ السّعادة من صنع تفكيرنا، ولا تحتاج إلى معطيات ومقوّمات مادّيّة وخارجيّة!
يقول الشّاعر إيليا أبو ماضي:
أيّها الشّاكي اللّيالي – إنّما الغبطةُ فكرة
ربّما استوطنتِ الكوخَ – وما في الكوخِ كسرة
وخلت منها القصورُ – العالياتُ المشمخرّة.
- وهناك من يرى أنّ السّعادة صعبة المنال، وهي تتمثّل في سعي الإنسان الدّؤوب لغاية بعيدة منيعة، ويكافح للوصول إليها، ومتى وصلها تفتر همّتُه، ويبدأ بالتّفكير في الانتقال إلى غاية أخرى جديدة وصعبة.
يقول جبران خليل جبران في قصيدة “المواكب”:
وما السّعادةُ في الدّنيا سوى شبحٍ – يُرجى فإن صارَ جسمًا ملّهُ البشرُ
كالنّهر يركضُ نحو السّهل مكتدحًا – حتّى إذا جاءَهُ يُبطي ويعتكرُ
لم يسعدِ النّاسُ إلّا في تشوُّقهمْ – إلى المنيع فان صاروا بهِ فتروا
فإن لقيتَ سعيدًا وهو منصرفٌ – عن المنيع فقل في خُلقهِ العبرُ
- وهناك من يرى أنّ السّعادة تتحقّق في المنصب الرّفيع والجاه والسّلطة والصّيت!
- وهناك من يرى أنّ السّعادة تتحقّق بالزّوج/ة الصّالح/ة والأبناء البررة النّاجحين!
- وهناك من يرى أنّ السّعادة تتحقّق بتوفّر الصّحّة الجسديّة والنّفسيّة والحيويّة!
- وهناك من يرى أنّ السّعادة تأتي من طلب العلم والاستزادة منه والتّعمّق فيه!
- وهناك من يرى أنّ السّعادة تكمن في تحقيق الذّات!
- وهناك آراء وأقوال لآخرين عن السّعادة مثل:
- أبن باجة:
لا سعادةَ تعادلُ راحةَ الضّمير.
- لافونتين:
السّعادةُ قناعةٌ، فلا الذّهبُ ولا العظمةُ يجعلانِنا سعداء!
- الفيلسوف سقراط:
أعملُ لسعادتي إذا عملتُ لسعادةِ الآخرين.
المراجع:
لونوار، فريدريك (2016). في السّعادة، رحلة فلسفيّة، ترجمة: خلدون النّبواتي. دار التّنوير، القاهرة.
د. البعلبكي، روحي (1997). معجم روائع الحكمة والأقوال الخالدة. بيروت.