أعترف أنّنا نعيش أوضاعًا صعبة في معظم مجالات حياتنا، ومع ذلك وبحكم تجربتي وسنوات عملي الطّويلة في تدريس اللّغة العربيّة والإشراف على إعداد مناهجها وتوجيه المعلّمين وإرشادهم – أودّ التّطرّق لظاهرة الازدواجيّة اللّغويّة وضرورة التّخفيف من حدّتها لتصبح اللّغة المعياريّة السّليمة أداة طيّعة:
أعشق اللّغة العربيّة الفصيحة المعياريّة، ولكنّني أُشفق على الأبناء والأحفاد – وعلى جميع أبناء أمّتي العربيّة – بسبب الازدواجيّة اللّغويّة الموجودة عندنا، وأقصد البون الشّاسع بين اللّغة الفصيحة المعياريّة واللّغة الدّارجة المحكيّة!
أبناؤنا يكتسبون اللّغة المحكيّة بالمحاكاة وبلا مجهود خاصّ مُرهق، ولكنّهم يبذلون جهودًا كبيرة في تعلّم اللّغة الفصيحة المُعربة، ومع الأسف يُنهون الدّراسة الثّانويّة والجامعيّة دون التمكّن من هذه اللغة، وأكبر دليل على ذلك الضّعف في التّعبير الكتابيّ والشّفويّ باللّغة الفصيحة المعياريّة!
اقرأوا ما يكتبه المواطنون عندنا – الّذين لم يتخصّصوا بدراسة اللّغة العربيّة – أو استمعوا لمحاضرات وأحاديث المتعلّمين والمثقّفين والسّاسة تسمعون منهم العجب العجاب، فينصبون المرفوع، ويجرّون المنصوب وو….
تسألون ما الحلّ المقترح؟
لا توجد حلول سحريّة لهذه القضيّة المستعصية، ولكن يمكن التّخفيف من حدّتها بتقليص الفجوة بين اللّغة الفصيحة المعياريّة واللّغة الدّارجة المحكيّة، وذلك بما يلي:
– كشف الصّغار/الأطفال وتعريضهم للّغة الفصيحة منذ نعومة أظفارهم بواسطة برامج التّلفزيون والإذاعة وقراءة الأهل ومربّيات الحضانات القصص والأناشيد المكتوبة بلغة سهلة تتبنّى استعمال كلمات وألفاظ من “القاموس المشترك” بين اللّغة الفصيحة واللّغة المحكيّة.
ثمّ تدريجيًّا نرقى بلغة الخطاب الموجّه للصّغار وللأولاد ونراعي عدم استعمال الكلمات والألفاظ الغريبة أو المهجورة لكي لا يشعر الطّفل القارئ أو السامع بالإحباط والعجز!
– التزام وسائل الإعلام خاصّة المقروءة – وكذلك المسموعة والمرئيّة – باستعمال
اللّغة الفصيحة السّليمة، وتجنّب الأخطاء الفادحة والصّارخة!
– تشجيع القراءة والمطالعة لدى المتعلّمين منذ السّنوات المبكّرة من التّعليم الابتدائيّ وطبعًا تكون النّصوص المقروءة فصيحة وبمستوى مقروئيّة الطّلّاب مع التّدرّج والارتقاء بها.
– تشجيع التّعبير الكتابيّ والشّفويّ لدى المتعلّمين باللّغة الفصيحة السّهلة والارتقاء بها تدريجيًّا، والمران والتّكرار على التّعبير في المواقف الحياتيّة الواقعيّة للمتعلّمين بدون خوف أو إحباط.
– التزام جميع المدرّسين وفي جميع المواضيع باستعمال اللّغة الفصيحة المعياريّة بدون التكلّف الممقوت!
كم يسعدني أنْ ننجح – في المستقبل المنظور – بتطوير لغة عربيّة موحَّدة وموحِّدة لجميع أبناء الأمّة العربيّة، ونرحمهم من هذه الازدواجيّة اللّغويّة القاسية المحبطة!