ذَهب أبو سليم ليتفقَّد كَرْمَ الزّيتونِ الّذي ورثه من والديْه، فقد حان موسم قطف ثماره. الموسمُ هذهِ السّنة جيّد، فها هي الأفنان تحني قامتها لتقدّم لأصحابها حباتِها المباركة، ويجب أنْ يستعدَّ جيّدًا لقطف ما تقدّمه.
عندما عاد إلى منزله، وجد ابنه جالسًا أمام حاسوبه، فجلس بجانبه قائلًا له:
– في الأسبوعِ القادم سنذهب لقطفِ الزّيتون.
رفع ابنه رأسه ناظرًا إلى أبيه بدهشة وقال:
– لقد بدأتُ عملًا جديدًا يا أبي في إحدى الشّركات، ولا أستطيع الحصول هذهِ الفترة على إذن… س… سأساعدكم يوم عطلتي.
ثمّ عاد ينظر إلى حاسوبه.
آثر أبو سليم أن يلزَمَ الصّمت، وأخذ يبحث في هاتفه عن رقمِ ابنه البِكر…
– أريد أن تشحذ هِمَّتك، فقد حان موسمُ الزّيتون.
قال لابنهِ البكر عبر الهاتف.
– بكلِّ تأكيد يا أبي. أ… أعود إلى البيت يومًا واحدًا في الأسبوع، وبهذا اليوم سآتي لمساعدتكم.
– يومًا واحدًا لا يكفي يا سليم. نحن بحاجة إلى أربعة أيّام على الأقل لقطفِ المحصول.
– يجب أنْ أنهيَ العمل في ورشةِ للبناء حتّى نهايةِ الشّهر… ليس لديَّ وقت للعمل في قطفِ الزّيتون. أعتذر منك يا أبي.
ثمّ استطرد بصوت جهد ألّا يكون خجولًا:
– أ… أ… أمّا بالنّسبة لزوجتي فأنت تعلم أنّها لا تستطيع العمل في قطفِ الزّيتون، بسبب معاناتها من حساسيّة الغبار…
لم يُعَلِّقُ الأب على حجج ابنه، وأغلقَ الهاتف. وبعد تَرَدُّدٍ طويلٍ قرَّرالاتصال بابنته:
– حان موسمُ الزّيتون يا ابنتي ونحن بحاجة هذه المرة لمساعدتكم.
– أنتَ تعرف يا أبي أنّنا نفضّل أنْ نشتري زيتَ الزّيتون على أنْ نعمل في قطفه… قطفُ الزّيتون ليس عملًا سهلًا… وضعُنا الماديّ جيّد والحمد لله، فلماذا نُتعب أنفسنا؟! “هين قِرشك ولا تهين نِفسك” هكذا قال المثل.
وحصل ما كان يخشاه؛ ففي السّنواتِ الأخيرة بدأ الأولاد يتذمّرون من العملِ في قطفِ الزّيتون، ولم يعد هو وزوجته قادريْن على العمل كما كانا في السّابق، بسبب تقدّمهما في العمر.
…بعد أيّام كان الزّوجان في كرمهما يقطفانِ الزّيتون لوحدهما. لم تُجْدِ كلّ استجداءات أولادهما، بأن يُوكلا الكَرْمَ لشخص يتعهّد أنْ يعطيهما نصف ما يُنتجه من زيت، فقد عَقَدَا العزم على قطفه بأنفسهما، ولم تُثْبِطْ عزيمتهما عدم مساعدة أحدٍ لهما. ورغم عمرهما المتقدّم،استطاعا أنْ يقطفا القسمَ الأكبر منَ الكرم، قبل أنْ يأتي أولادهما في اليوم الأخير ليقطفوا معهما ما تبقّى منه.
وعندما قَطَرَ تعبهما زيتًا، جاء كلّ ولد يطالب بحِصّته من هذا الزّيتِ المجبول بتعب الأبويْن العجوزيْن!