نعمة الاختلاف في رواية” أرنوب؛ فلفل وجدّه الأسمر”، للروائيّة ديمة جمعة السّمّان – د. روز اليوسف شعبان

 

صدرت الرواية عن دار الهدى أ. عبد زحالقة (2024)، رسومات آلاء أحمد، تصميم آلاء مرتيني، تقع الرواية أربع وثمانين  صفحة، من القطع المتوسط، غلاف سميك مقوّى.

الرواية للأطفال فنُ جميل معروف منذ عدّة قرون، ويعتبر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين مرحلة تطور هامّة لهذا النوع من الأدب. في هذه الفترة، بدأت الروايات للأطفال تصبح شائعة أكثر في الثقافة الغربيّة.

من أبرز الروائيين الذين كتبوا للأطفال عالمياً في تلك الفترة هم ج. إم. باري، الذي كتب “بيتر بان“، ولويزا ماي ألكوت، التي كتبت “الأميرة والجوز“. ومن المؤلّفين البارزين الذين كتبوا للأطفال في القرن العشرين ج. ك. رولينغ، التي كتبت “هاري بوتر“، ودكتور سيوس، الذي كتب “قط بيت“.”

أمّا في الأدب العربي، فقد بدأت الروايات للأطفال في الظهور في القرن العشرين أيضًا. أحد الروائيّين المهمّين في هذا الصدد هو الكاتب المصري “طه حسين”، الذي كتب “الأطفال في الأدب”، وهي مجموعة من القصص الموجّهة للأطفال، تهدف إلى تعليمهم القيم والأخلاق. وهناك أيضًا عدد من الكتّاب العرب الذين كتبوا روايات للأطفال فيما بعد، مثل سميرة عزام، التي كتبت سلسلة “فارس شجاع”، ونجيب محفوظ، الذي كتب “المغامرات المنسية لأبي باكر“. رضوى عاشور كتبت سلسلة “زهور”،  و”رسالة من عصر الفراعنة” وغيرها، فاطمة شرف الدين  مؤلفة سلسلة “نانسي”، و”رحلة الجدّ“، و“تحت المطر”، رفعت إسكندر كتب العديد من الروايات الشيّقة للأطفال مثل “الموتى يتكلّمون“، نبيل فاروق مؤلف سلسلة “سيّد الرسالة” و”الرحلة إلى القمر”، عبد الرحمن شرقاوي كتب سلسلة “أمير المغامرين” ، و”أنيسة والجن الشقي“، سامية أمين مؤلفة سلسلة “أمير البلاد العربية”، و“علاء الدين والمصباح السحري“. مصطفى محمود  كتب روايات مثل “الراهب يحيى”،  و”الخدمة الذاتية“، جلال عامر مؤلف سلسلة “سمكة ذهب” و”سرّ البلورة الزرقاء“، غادة السمان  كتبت روايات للأطفال مثل “رسالة من فوق السحاب”، و”حكاية اللمسة السحريّة”.

وها هي الروائيّة ديمة السّمّان تخوض تجربتها الأولى في كتابة رواية أرنوب للأطفال.  بعد أن كتبت العديد من الروايات للكبار منها: برج اللقلق(2005)، بنت الأصول(2011)، رحلة ضياع (2011)، غفرانك قلبي(2015)، هذا الرجل لا أعرفه( 2018)، وغيرها من الروايات،  وقد جاءت رواية أرنوب، جميلة برسوماتها الجذّابة المتقنة، التي أضفت الكثير من الجمال على الرواية، إضافة إلى سردها الشائق، ومضامينها التربويّة الهامّة، حيث يتعلّم منها الطفل الكثير من القيم الهامّة والضروريّة لنشأته، وصقل شخصيّته، وتهذيبه، وتنمية فكره، وخياله.

الأرنب فلفل وُلد مع أربعة أخوة، لكنّه الوحيد الذي كان فروه أسود، فنبذه أخوته كما نبذته سائر الأرانب، لكنّ والديّه، خصّاه بالرعاية والاهتمام البالغيْن، وعزّزا من ثقته بنفسه،  فكان فلفل نشيطا، يساعد والده في الحقل، ويحضر الجزر والخسّ لأخوته، و مجتهدا في المدرسة ومواظبا على دراسته، يساعد كلّ من يحتاج إلى مساعدة، كان دائم الأسئلة ويرغب في معرفة كلّ شيء، وقد لفتت هذه الصفات الجميلة انتباه والديه، فقالا له إنّه يشبه جدّه الأسمر، ثم رويا له حكاية جدّه الأسمر، الذي عانى أيضا من التنمّر بسبب لونه الأسمر، لكنّه بفضل ذكائه استطاع أن يضع خطّة محكمة لتخليص قريته من الكلاب المتوحشّة التي أزمعت على الهجوم على قرية الأرانب في منتصف الشهر حين يكون القمر بدرا، ورغم صغر سنّ الأرنب الأسمر؛ إلا أنّ زعيم القرية تبنّى خطّته، وبعد موت الزعيم اختارته الأرانب زعيما لها. عندما سمع فلفل قصّة جدّه الأسمر؛ قرّر أن يكون مثل جدّه، ويحذو حذوه.

تزخر الرواية بالقيم منها: التحلّي بالصبر والإرادة، الثقة بالنفس، السعي والاجتهاد، مساعدة المحتاجين،  استغلال الوقت واستثماره بما ينفع،  احترام كبار السنّ ومساعدتهم والامتناع عن مضايقتهم. الإصرار والتحدّي، التفكير، واستخدام العقل والحيلة لمواجهة الصعاب وحلّ المشاكل. كما أنّها تسلّط الضوء على أهميّة التربية الصالحة والاعتناء جيّدا بالأبناء وتوجيههم وإرشادهم وإعطائهم الدعم والحبّ بشكل دائم، وتعزيز الثقة في نفوسهم و وخاصّة إذا كان الطفل يعاني من اختلاف ما عن أقرانه أو عن أخوته.

تزخر القصّة أيضا بالكثير من المعلومات عن الأرانب وعن الكلاب الشرسة، من هذه المعلومات مثلا: الماء المنقوع بأوراق شجر الورد؛ يسبّب للكلاب آلاما في البطن والقيء والارتخاء وقد يؤدي إلى الموت؛ إذا شربت منه. كذلك رائحة أوراق شجر البرتقال والليمون منفّرة للكلاب، ومطحون الفلفل الأسود يؤذي الكلاب، كذلك الشوكولاته تسبب للكلاب إذا أكلتها، القيء وآلاما حادّة في البطن، كما أنّ الكلاب تخاف من أصوات الأسود والنمور والفهود وتهرب لدى سماعها. كل هذه المعلومات جاءت ضمن الخطّة التي وضعها الجدّ الأسمر للتخلّص من عصابة الكلاب المفترسة، وفي ذلك دلالات كثيرة للأطفال. منها: عدم الاستسلام للصعاب، القراءة والمعرفة مهمّة جدّا لتخليصنا من الصعاب، الفئة الضعيفة قد تهزم الفئة الكبيرة والقويّة بواسطة التفكير ووضع الحيل المبنيّة على أسس العلم والمعرفة.

رواية أرنوب؛ فلفل وجدّه الأسمر، هي رواية تربويّة، تثقيفيّة للأطفال، تفتح أمامهم أبواب المعرفة والمغامرة والخيال، وتقبّل الآخرين على اختلاف ألوانهم وأشكالهم وصفاتهم وشخصيّاتهم، كما أنّها تساهم في أن يتقبّل الطفل نفسَهُ حتى لو بدا مختلفا عن الآخرين، فالاختلاف لا يعني النقص، بل قد يكون الاختلاف هبة من الله وميزة  فيها الخير الكثير.

مبارك للروائيّة ديمة السمّان روايتها الأولى في أدب الأطفال، ولا شكّ أنها ستعقبها روايات أخرى بقلمها وبأقلام العديد من كُتّاب أدب الأطفال.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*