جلست أم يعقوب على حجر كبير أمام الكنيسة في إقرث، وكان ذلك في يوم الصلاة الذي أقيم لتجديد المطالبة بعودة أهل القرية وإحياء أمل العودة في نفوس أبناء القرية. سرحت بنظرها نحو الغرب حيث يرقد أبناء إقرث في مكان راحتهم الأبدية، وعلى امتداد المسافة بينها وبين مقبرة إقرث رأت أحياء القرية وشوارعها الحديثة تمتد وتنتشر، وقالت في نفسها: هل يا ترى سأعود حقا إلى بلدتي الجميلة اقرث..
شاهدت أم يعقوب المدرسة، وهي تسرح بنظرها، وقد خرج منها الطلاب يتراكضون نحو بيوتهم، والأمهات تنتظرن عودتهم بلهفة على مداخل البيوت بابتسامات عريضة، والى جانبها الملاعب الرياضية والحدائق الخضراء يجلس فيها كبار السن، بعضهم يلعب طاولة الزهر ومجموعة أخرى تتحلق وتلعب الورق وتعلو أصواتهم وتعود لتنخفض، ومجموعة من النساء تتحلق حول طاولة يحتسين القهوة ويتبادلن الكلام، وشباب يلعبون كرة القدم بينما الأطفال يضجون حول ألعاب التسلية واللهو الطفولية، والحوانيت تعجّ بالحركة والناس تغدو وتروح في بشاشة، ونسيم الهواء يخفف من حرارة الجو.
وفجأة سمعت صوت عريف البرنامج يقول: بعد أشهر سنلتقي على أرض كفر برعم كما التقينا اليوم على أرض إقرث، لنؤكد على حق العودة. ولم تكد تمسح دمعتها التي سالت على خدها، حتى اقترب منها صحفي يسألها عما تريد أن تقوله في هذا اليوم وما هو شعورها لتقرير صحفي يعده لصحيفته، عادت لتنظر إلى البعيد مرددة “يخلف عليهم!” وسألها الصحفي أهذا كل ما تريدين قوله، فأومأت له برأسها أن “نعم”.
وعادت أم يعقوب لتسرح بنظرها وتقول في نفسها: يخلف عليهم اللي هدموا قريتنا.. لقد جعلوا حبّها في قلب الصغير مثل الكبير، وتمسّك بها جيل الصغار أكثر من الكبار، وتعلّق بأرضها أهلها الذين أخذوا يعودون إليها.. كبروا وكبرت أحلامهم.. ألم يقل لنا المعلم: “أحبوا أعداءكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، صلوا من أجل مضطهديكم؟”