القصّة من تأليف الكاتبة عايدة خطيب، صدرت الرواية عام (2023) عن مكتبة كلّ شيء، مركز أدب الأطفال، براعم الزيتون، تصميم ومونتاج، شربل إلياس، رسومات الفنانرعد عبد الواحد.
هناك توجّه عامّ في الدول الغربيّة منذ عدّة عقود لدمج الأطفال من ذوي القدرات المحدودة المختلفة في أجهزة التعليم العاديّة، بدلًا من إخراجهم إلى أجهزة تعليم خاصّة منفصلة.
عمليًّا تطرأ على أرض الواقع صعوبات لدى الشخصيّات التربويّة، الأهل والأطفال في الدمج التعليميّ والاجتماعيّ للأولاد ذوي الاحتياجات الخاصّة في التعليم العاديّ.
أحد الحواجز في دمج الأطفال ذوي الإعاقات في إطار التعليم العاديّ هي مشكلة في الاندماج الاجتماعيّ لأولئك الأطفال. أحد الاستنتاجات التي طُرحت في أعقاب ذلك هي أنّه يجب التشجيع على الأجواء الدامجة في المدرسة وتطوير آليّات ومعايير لتذويت الدمج داخل المدرسة.
( مطاح) https://itu.cet.ac.il
في كتابه الإعاقة وتقبّل الآخر في أدب الأطفال(2021)، يشير الكاتب سهيل عيساوي، إلى أهميّة تحملّ المسؤولية من قبل الأهل، المدرسة، والمجتمع عامّة، في دعم وتمكين أصحاب الاحتياجات الخاصّة داخل المؤسسات المختلفة، ومساعدتهم على تذليل الصعاب وتحقيق ذواتهم، ومنحهم الفرصة على التميّز، وعدم اتّباع سياسة الإقصاء.(ص 21).
ويرى عامر عبد السلام(2019)،أنّ مشكلة ذوي الإعاقة تكمن في الظروف والسياقات الاجتماعيّة المختلفة، التي تضع قيودا وعقبات غير مبرّرة، ولا تستند إلى رؤى علميّة أمام مشاركة ذوي الإعاقة، في فعاليّات الحياة الاجتماعيّة، وتشير العديد من الأبحاث إلى أنّ مشكلات ذوي الإعاقة الحياتيّة والتوافقيّة لا ترجع إلى الإصابة أو الإعاقة في ذاتها، بل تعود أساسا إلى الطريقة التي ينظر بها المجتمع إليهم. فعندما نتحدّث عن ذوي الإعاقة بشكل عامّ نتّجه للتركيز على الإعاقة بدلا من الاهتمام بالفرد ذاته وما لديه من مميّزات وقدرات خاصّة، لذا جاءت النظرة سلبيّة إليه.
وهذا ما ظهر لنا في قصّة “أرفض تسميتي معاقا“، فقد جعلت الكاتبة عايدة خطيب الطفل سفيان يتحدّث عن إعاقته، وعن نظرة المجتمع له وعدم مراعاة مشاعره؛ لذا فقد جعلته، يعلن عن رفضه واحتجاجه على ذلك، وهي بذلك ترسل رسالة هامّة مفادها، أنّ هؤلاء الأطفال لديهم قدرات كبيرة، وعلى المربّين اكتشاف هذه القدرات وتوظيفها في مكانها الصحيح، وذلك لزيادة الثقة بالنفس لدى هؤلاء الأطفال، وحثّهم على الإبداع، ممّا يدخل ذلك الفرح إلى قلوبهم.
سفيان فتى معاق، يجلس على كرسيّ متحرّك، يتعلّم في مدرسة عاديّة، في صفّ يضم طلابا من ذوي الاحتياجات الخاصّة. وبما أنه لا يستطيع أن يشارك طلاب صفّه أو طلاب مدرسته في اللعب في الساحة، انزوى جانبا، وانطوى على نفسه، وقد بدت عليه إمارات الحزن. انتبهت له مربّيته، التي طلبت منه أن يرسم رسمة؛ ليعبّر عمّا يضايقه، خاصّة أنه يتكلّم بضع كلمات فقط. وحين رأت المعلّمة رسمته الجميلة، قالت له :” أنت مبدع يا سفيان”. اقترحت عليه أن يرسم لوحة على حائط الصفّ، وكتبت اسمه عليها، صفّق له جميع الطلّاب ممّا أدخل ذلك الفرح إلى قلبه وعزّز ثقته بنفسه. وحين قدم أحد الطلاب ليخبر طلاب الصفّالخاصّ، أنّ سيّارة المعاقين التي تقلّهم قد وصلت، انتبه إلى رسمة سفيان، فأعجبته جدا، فصار ينادي على الطلّاب صف المبدعين، بدلا من الصفّ الخاصّ، أو صفّ المعاقين،الأمر الذي أسعد سفيان وطلاب صفّه أكثر فأكثر.
تسلّط الكاتبة الضوء أيضا، على دور المعلّمة في احتواء الطلّاب والمساعدة في دمجهم مع باقي طلّاب المدرسة، وإشراكهم في الفعاليّات المدرسيّة المختلفة، وتفهّم احتياجاتهم ورغباتهم، واكتشاف مواهبهم وحثّهم على الإبداع. لذا فقد جعلت الكاتبة عايدة خطيب من شخصيّة المربيّة شخصيّة نموذجية يحتذى بها.
أسلوب السرد:
بدأت الكاتبة سردها على لسان الطفل المعاق، الذي بدأ سرده الذاتيّ، عن مشكلته الصحيّة وتحدّث عن إعاقته، وما يعتلج في نفسه من شعور بالنقص والحزن، والإقصاء، خاصّة عندما يستهزئ منه الطلّاب، ممّا يجعل القارئ يتماهى ويتعاطف مع شخصيّة سفيان، معتمدة في ذلك على تقنيّة الاسترجاع، والحوار الداخليّ(المونولوج)، حيث بدأ سفيان يسترجع حالته الصحيّة كما روتها له والدته:” وأنا ابن أشهر صنّفوني من ذوي الاحتياجات الخاصّة، أو من المعاقين كوني لا أتطوّر لا من حيث النّطق ولا من حيث الحركة، صحبتني والدتي إلى الطبيب”.(ص 6). ثمّ انتقلت الكاتبة بالسرد إلى ضمير الغائب:” أصبح يكره نظرات الشفقة من الآخرين وسماع هذه الجمل(يا حرام، هذا يتلعثم في كلامه ولا يتحرّك مثلنا)”.(ص 16). هذا التنوّع بالسرد يزيد من عنصر التشويق في القصّة. ومن حواراته الداخليّة:” أنا لست المذنب حتّى أصبحت بهذا الإطار…”(ص 14).
وقد جاءت اللّغة في السرد، جميلة تخلّلتها قصيدة مؤثّرة من تأليف الكاتبة، ممّا يزيد ذلك من عنصر التشويق والانفعال لدى الأطفال، فالشعر قريب إلى قلوبهم، ويمكن بواسطته تمرير رسالة تربويّة هامّة للأطفال. تقول الكاتبة في قصيدتها:”
لا تهزأوا مني لأنّني معاق
إنّني أحبّكم وأرفض الشقاق
إعاقتي مفروضة وعندي اشتياق
لأستدير مثلكم أو أدخل السباق
لكنّني محروم من هذا السياق
لا تهزأوا مني لأنني معاق…
أجاد الفنان رعد عبد الواحد في رسوماته، وجعل ألوانهامبهجة؛ لتدخل الفرح إلى قلوب القرّاء.
قصّة أرفض تسميتي معاقا قصّة تربويّة علاجيّة، طرحت الكاتبة فيها قضيّة تعامل الناس مع الطفل المعاق، وطرحت علاجا لهذه القضيّة، فالتعامل باحترام ومحبّة مع الأطفال المعاقين، والتحدّث إليهم، والاستماع إلى كلّ ما يضايقهم، واكتشاف قدراتهم الإبداعيّة، وتوظيفها في المكان المناسب، ودمجهم مع الطلّاب العاديّين في المدرسة، كلّ ذلك يساهم في تعزيز الثقة في نفوس هؤلاء الطلّاب، وإدخال الفرح إلى قلوبهم، وتقبّل إعاقتهم، وجعلها انطلاقة نحو الإبداع والتميّز.