صدرت الرواية عن دار ابن رشيق، عمّان، 2023، وتقع في مائتين وواحد وثلاثين صفحة.
والاسم روزانا مستمدّ من التراث وقد ورد هذا الاسم في أغنية” على الروزانا” عالروزانا عالروزانا كلّ الهنا فيها وشو عملت الروزانا ألله يجازيها تختلف الروايات في قصّة الروزانا، لكنّ أغلبها تدور حول قصة سفينة تدعى “روزانا”.. وهنا روايتان:
الأولى تقول إنّها كانت سفينة عثمانيّة محمّلة عنبا وتفاحا، وجيء بها إلى بيروت لتبيع كلّ إنتاجها، بدل إنتاج المزارعين اللبنانيّين… وهو ما حصل، فكسد الإنتاج اللبنانيّ، ليأتي تجّار حلب ويتضامنوا مع اللبنانيّين ويشتروا كلّ محصولهم، وينقذوهم من الفقر والعوز.
أما الرواية الثانية فتقول إنّ السفينة التي تدعى “روزانا” هي سفينة إيطاليّة، أرسلتها إيطاليا إلى لبنان وسورية وقت المجاعة الكبرى عام 1914، محمّلة بالقمح. لكن عندما وصلت تبيّن أنها محمّلة عنبا وتفاحا؛ ما أصاب اللبنانيّين والسوريّين بالخيبة. ورغم ذلك قام أهالي حلب بتأمين القمح اللازم للبنانيّين؛ لإنقاذهم من المجاعة.
فالروزانا التي كان من المفروض أن تحمل الخلاص لسكّان بيروت، خيّبت الآمال، فرغم المجاعة التي حلّت باللبنانيين، إلّا أنّ السوريّين قاموا بمساعدتهم وإنقاذهم. ولعلّ اختيار الكاتبة لهذا العنوان يحمل دلالات رمزيّة، فالتراتيل هي استعارة للأصوات الحزينة التي تخرج أثناء الحرب، وقد تكون روزانا رمزا لسفينة الخلاص، التي خيّبت آمال أهل غزّة، الذين يعانون من الجوع، وويلات الحرب. فهل رمزيّة العنوان تراتيل روزانا، إيحاء بعدم اليأس، وانتظار الأمل في خلاصالشعب الفلسطينيّ المنكوب؟ وهل في ذلك نداء مبطّن للشعوب العربيّة في إنقاذ شعب غزّة؟
تعالج هذه الرواية، وضع سكّان غزّة أثناء حرب إسرائيل في ما أسمته” عمليّة حارس الأسوار” في حين أطلقت عليها المقاومة “سيف القدس”، وهي بذلك تصوّر ما حلّ بغزّة من دمار وقتل، وتدمير للمباني والبنى التحتيّة، وتشريد الناس، وقصفهم في أماكن لجوئهم: في المدارس، المساجد، أماكن الإيواء التابعة للأونروا، في المستشفيات، في البيوت وفي الشوارع وفي كلّ مكان.
في نهاية الرواية تتطرّق الكاتبة إلى طوفان الأقصى والحرب الدائرة في غزّة، والتي لا زالت تحصد وتزهق أرواح الآلاف من السكّان. فالمأساة تتكرّر، وما تمّ بناؤه بعد عملية “حارس الأسوار” تمّ هدمه في الحرب الحاليّة التّي حدثت بعد طوفان الأقصى في السابع من تشرين أوّل 2023.
سردت أحداث الرواية بلسان روزانا، التي سميت باسم جدّتها روزانا، التي استشهدت أمام المستشفى الذي كانت تعمل فيه، حين خرجت لشراء الحلوى بعد ولادة حفيدتها روزانا، في أوّل يوم من حرب الرصاص المصبوب على غزّة عام 2008، كما يسمّيها المحتلّون، أو معركة الفرقان كما يسمّيها المقاومون. كانت الجدّة روزانا إنسانة معطاءة قويّة، قدوة لسيّدات الحيّ، ونساء العائلة.ولدت روزانا الحفيدة في نفس اليوم الذي اندلعت فيه الحرب، والذي فيه توفيّت جدّتها، لذا قرّرت روزانا الحفيدة أن تكون قويّة كجدّتها.
من خلال سرد روزانا وكتابتها لسيرتها اليوميّة في دفتر مذكّراتها، نتعرّف على شخصّيات عديدة، منها شخصيّات وطنيّة، ومنها الخائنة للوطن مثل فريد وأخته فريدة(زوجة والد نورا وبيسان)، ومنها المعطاءة المضحيّة مثل الجدّة روزانا، والخالة زهرة، منها الطموحة مثل ثائر، وهو أخو الراوية/الساردة، الذي تعلّم الهندسة الإلكترونية، قرّر السفر والخروج من القطاع بحثا عن عمل، وبقيت روزانا تنتظر عودته. وقد يكون الاسم ثائر، وغيابه وانتظار عودته، يشير إلى الثورة الحقيقيّة، المسلّحة بالعلم والابتكار، التي تنتظر الكاتبة عودتها.
كما تعرّفنا على عائلة روزانا، وعلى خالتها زهرة، التي ضحّت بشبابها كي تعيل أخوتها بعد موت والدها، فبقيت دون زواج، ثم مرضت بمرض السرطان الذي أودى بحياتها، وقد تعرّفت روزانا على سيرة حياة خالتها، من خلال قراءتها في دفتر يوميّات خالتها زهرة.
بيسان صديقة روزانا، عاشت مع أمها وزوج أمّها، بعد طلاق والدتها بسبب اتّهام حماتها لها بخيانة زوجها، يأخذ الزوج الابنةالكبرى نورة، فتعيش مع زوجة والدها فريدة التي تنكّل بها وتعاملها بقسوة، وتجعل أخاها فريد، يزورهم يوميّا ليتقرّب من نورة، ويتحرّش بها، فتقع في حبّه، لكنها تكتشف تورطه مع أخته(زوجة والدها) في خيانة الوطن، والوشاية بأماكن تواجد المقاومين، فيتمّ قصفهم، لقاء أجر يتقاضاه من المخابرات الإسرائيليّة، وصل به الأمر الى تركيب صورة لها وهي عارية، وهددها بنشر صورتها، وكان يهدف من وراء ذلك تشغيلها مع المخابرات للإيقاع بالطالبات الجامعيّات، تهرب نورةمن بيت والدها؛ بعد أن تتعرّف على أختها من خلال الفيس بوك، وتلتقي بوالدتها وأختها بيسان في مخيّم الشاطئ.
والاسم بيسان يرمز إلى مدينة بيسان المهجّرة، فهل عودة بيسان إلى أمّها، إشارة إلى عودة الفلسطينيّين المهجّرين إلى أوطانهم؟
أما شخصيّة روزانا الساردة فهي من قامت بتدوين أحداث الحربالرابعة على غزّة في دفتر يوميّاتها، عمليّة حارس الأسوار، أو سيف القدس، وقد تميّزت بإنسانيّتها، وعفويتها وحبّها لصديقاتها ولوطنها. جاء السرد ذاتيّا، لذا تمكنّا من الاطّلاع على نفسيّتها، واضطراباتها ومخاوفها، تخلّل السرد حوارات خارجيّة بين شخصيّات الرواية، وحوارات داخليّة(مونولوج)، كما تخلّله الكثير من التناصّ المستمد من التراث الفلسطينيّ، أغان شعبيّة، أناشيد الثورة، وغيرها.. كما تميّز السرد بلغة أنيقة، وقد أجادت الكاتبة في وصفها إلى حدّ يجعل القارئ يتماهى مع الحدث وكأنه يشاهده بأمّ عينيه.
ولعلّ أكثر المشاهد تأثيرا، كان وصف روزانا للقصف الذي أودى بأسرة عمّها محسن، ومن بين القتلى كانت ندى ابنة عمّها وصديقتها، وكانت ندى قد بدأت تكتب في مذكّراتها وصفا للقصف على حيّهم، لكنّ القذائف لم تمهلها حتّى تكمل وصفها للأحداث، فقُتلت وسالت الدماء على دفترها. تقول السّاردة روزانا:” وصل عمّي الحيّ منهكا، وصعد أدراج بيته المنهدم، سمعت صراخه الجدران والأشلاء المبعثرة، شلال الدم يتسلّل من بين الحجارة، يسري تحت جثث الراحلين، اقتربت من عمّي رأيت شلّالا من الدمع في عينيه والناس تشاركه الحزن والبكاء، كان يبكي ويصرخ عاليا” يا ربي دخيلك، يا ألله راحوا العيال”(ص 96-97). كما وصفت روزانا ما تعرّض له بيت خالتها زهرة حين كتنت فيه، من قصفعنيف، وما اعتراها من مشاعر الخوف. تقول روزانا:” يا إلهي كيف أمنع تمدّد الخوف وافتراسه لهدوئي؟ تبّا لهذا الوحش الكاسر في داخلي، يؤجج انفعالاتي ويجرّني إلى الكتابة، من الصعب أن أكتب تحت القصف، ومن الإجحاف أن لا أدوّن شهادتي على الأحداث، وألا أبكي وأن لا أخاف. من قال إنّي لن أبكي في هذه اللحظات”(ص 85).
:” يا إلهي أشعر بخوف عميق، صاروخ واحد سيهدم الحيطان المتبقيّة، عادت الطائرات وأسقطت من بطنها صواريخ أكثر قوّة فانهار الحائط على درج المكتب(مكان اختبائي)، تدمّرت الأشياء من حولي، الغبار يملأ الغرفة، أكاد أختنق”.(ص 85).
فالرواية إذن واقعيّة، وربّما يفسّر هذا، اختفاء عنصر الخيال فيها، فجاء السرد رتيبا ثقيلا متماهيا مع ثقل الأحداث والكوارث التي حلّت بغزّة وأهلها.
أهميّة الرواية
تُعدُّ الرواية وسيلة فعّالة لنقل الذاكرة من جيل إلى آخر، فروايةتراتيل روزانا توثّق الحرب على غزّة، بكل مآسيها ومجازرها ودمارها. إلى جانب المعاناة، تقدم هذه الرواية أيضا، قصصًا عن الصمود والمقاومة، وهو جزء مهمّ من الذاكرة الوطنيّة. هذه القصص تؤكد أن الفلسطينيّين ليسوا مجرد ضحايا، بل هم أيضًا مقاومون يصارعون للحفاظ على أرضهم وكرامتهم. ممّا يساعد في حفظ الذاكرة الجماعيّة للشعب الفلسطينيّ، كما أنّها تفتح نافذة أمام القارئ غير الفلسطينيّ للتعرف على معاناة الفلسطينيّين وآمالهم وتطلّعاتهم. وقد يؤثّر ذلك في وعي العالم بالقضيّة الفلسطينيّة.