حاجة الإنسان إلى الانتماء والتواصل مع الآخرين
يتحدّث العالِم والباحث في علم النفس ماسلو عن حاجات الإنسان فيصنّفها في سلّم أو بناء هرميّ لا يمكن التدرّج والصعود من الحاجات الأساسيّة – التي تشكّل القاعدة – إلى الحاجات العليا الموجودة في أعلى السلّم أو في قمّة الهرم إلّا بعد إشباع الحاجات الأساسيّة الأولى!
وبهذا السياق نورد الترتيب الهرميّ للحاجات كما بيّنه ماسلو، ففي قاعدة هذا السلّم/ الهرم نجد الحاجات الفسيولوجيّة من غذاء وتنفّس…، ثم تأتي الحاجات العليا الأخرى.
أمّا درجات هذا السلّم فجاءت على النحو التالي:
– الحاجات الفسيولوجيّة: وهي الحاجات اللازمة للحفاظ على حياة الفرد كالتنفّس والطعام والماء والإخراج…
– الحاجة إلى الأمان، ومن أنواعه: الأمان الماديّ والأمان النفسيّ.
– الحاجة إلى الحبّ والانتماء.
– الحاجة إلى التقدير.
– الحاجة إلى تحقيق الذات.
– والحاجة إلى المعرفة والفهم..
وفي العديد من الأعمال الأدبيّة نجد الشخصيّة الرئيسيّة فيها تعاني من الوحدة والحزن، وتبحث عن إشباع حاجتها للانتماء والحبّ والتواصل مع الآخرين.
الحيوان كبديل للإنسان:
ليس على الخبز وحده يحيا الإنسان، وإشباع الحاجات الفسيولوجيّة لا يعوّض عن الحاجات النفسيّة الأخرى، والإنسان السويّ يسعى جاهدًا للبحث عن قنوات للتواصل مع الآخرين، والتنفيس عن آلامه وهمومه، فإن ظفر بشريك من البشر فهذا مبتغاه، وإلّا بحث عن بدائل أخرى قد تكون من عالم الحيوان!
وهذا ما وجدناه في قصّة الشقاء (أو الألم) للأديب الروسيّ تشيخوف؛ فبطل القصّة حوذيٌّ فقير فقَدَ ابنَه وحيدَه الذي كان محطّ آماله، فراح يبحث يائسًا عمّن يشاركه هذا الحزن العظيم بين المسافرين الذين اقلّهم في عربته التي تجرّها فرسه، لكن مع الأسف لم يجد من يشاطره حزنه رغم انتماء المسافرين لجميع الشرائح الاجتماعيّة، حتّى زميله الحوذيّ البائس لم يُصغ له ليشاركه حزنه، وأخيرًا وجد ضالّته في الحيوان؛ في فرسه التي أحسّ أنّها تبادله الإحساس، فأخذ يحدّثها بحرارة عن مأساته – وفاة ابنه – مما خفّف عليه مصابه الجلل ومحنته القاصمة!
وهناك قصّة قصيرة رائعة لأديبنا الكبير الحائز على جائزة نوبل للآداب – نجيب محفوظ، القصّة بعنوان: “القهوة الخالية”.
في تلك الأقصوصة الرائعة يتطرّق نجيب محفوظ لموضوع طول العمر، فقد يكون ذلك “نعمة” للمعمَّر ما دام يتمتّع بالصحّة والتواصل مع أهله وأصحابه، وقد يصبح طول العمر “لعنة” إذا فقد المسنّ الصحة الجسديّة
والنفسيّة، ولم يجد الدفء والتواصل مع المحيطين به!
ما حدث لمحمد الرشيدي ابن التسعين في تلك القصّة أنّه فقد زوجته وأصحابه وأترابه، فشعر بالوحدة والفراغ، وحاول أن يتواصل مع ابنه وحفيده والناس حوله لكنّه لم يفلح، فحاول أن يجد السلوان في ارتياد القهوة التي اعتاد زيارتها مع أصحابه وزملائه، لكنّه أحسّ أنّها خالية من الأنس والمسرّة لأنّها خلت من أصحابه الذين رحلوا عن دنيانا، فعاد حزينًا قانطًا إلى بيت ابنه الذي عجز عن منحه الانتماء والتواصل الدافئ، وأخيرًا علّل نفسه بإمكانية التواصل مع قطّة تعيش في بيت ابنه، لكن الحفيد حرمه من ذلك!
ما أقسى الوحدة والفراغ وفقدان التواصل الدافئ!
نجيب محفوظ وتشيخوف