قراءة لكتاب: “سيرة ورؤية، أمل وعمل” – د. محمود أبو فنة

ذكريات الشيخ الدكتور فايز عزّام – عسفيا 2024

الكتاب سيرة شاملة وصادقة: أعترف أنّني أهوى قراءة كتب السّير الذّاتيّة، خاصّة تلك السّير الّتي لا يحاول فيها المؤلّف “تجميل” الأمور والأحداث، بل تتّصف السّيرة بالعَفَوِيّة والصّدق، ويتحرّر كاتبها من الأنانيّة والنّرجسيّة المُفرطة!

وهذا الكتاب: مسيرة رؤية، أملٌ وعمل أو: ذكريات الشّيخ الدّكتور فايز عزّام، الّذي جاء ضمن مشروع: ” يد ساره” في عسفيا وغيرها من البلدات وساهم في إعداده طاقم وعلى رأسهم السّيّدة فريال كيّوف الّتي أجرت المقالات مع د. فايز ودوّنتها.

أعجبني الكتابُ بأسلوبه السّرديّ الهادئ السّلس، الّذي لم يلجأ للخيال المحلّق ولا للزّخرف اللّفظيّ والتّعابير الفضفاضة، كما امتاز بصدقه وبعده عن تمجيد الذّات وتضخيمها.

وهذا الكتاب يتحدّث عن سيرة الصّديق أبو شعيب منذ ميلاده في 10.2.1942 وطفولته الغضّة وحتّى عام 2024 وقد أصبح شيخًا جليلّا.

كشف لي كتاب السّيرة عن أهمّ العوامل والمحطّات الّتي أثّرت وساهمت في بلورة شخصيّة أبو شعيب وهي:

– نشأته في أسرة متحابّة داعمة من الوالدين والأهل من الأعمام والأقارب.

– سكنه في بلدة عسفيا الجميلة الواقعة على جبل الكرمل، والّتي تحتضن المواطنين من بني معروف والأخوة العرب المسيحيّين والمسلمين في علاقة جوار وتعايش تامّ يُحتذى.

– تنقّله في مراحل التّعلّم: البستان في دير الرّاهبات، الابتدائيّة في عسفيا، الثّانوية: الصّفّ التّاسع في المدرسة الثّانويّة في كفر يا سيف، ثمّ ثلاث سنوات في مدرسة كدوري الزّراعيّة.  

– زواجه الموفّق عام 1964 مع شريكة العمر (زوجته كاملة أمّ شعيب) التيّ دعمته ووفّرت له الأجواء المريحة، وشاركته في تربية الأبناء – ثماني بنات وابن – التّربية السّليمة الصّالحة.

– دراسته الجامعيّة: B.A  في اللّغة العربيّة والتّربيّة من جامعة حيفا، M.A في الأدب والتّراث من الجامعة العبريّة في القدس، وشهادة الدكتوراة Ph. d في التّراث (تحقيق كتاب: عمدة العارفين للشيخ الأشرفاني) من جامعة حيفا.

لا شكّ أنّ الأخ فايز اكتسب الكثير من الصّفات والقيم بتأثير تعلّمه في تلك المؤسّسات المختلفة!

– عمله سكرتيرًا للمجلس المحلّيّ في عسفيا ومديرًا لنادي الهستدروت وما حقّقه من إنجازات في هذه الوظائف!

– عمله في جهاز التّربية والتّعليم معلّما ثم مفتّشًا للتّراث وإعداد كتب التّعليم في الموضوع، وفي تأهيل المعلّمين بالإرشاد والاستكمالات والرّحلات التّعليميّة في البلاد وخارجها واستمرّ ذلك حتّى خروجه للتّقاعد عام 2008 وعودته الموفّقة للمسلك الدّينيّ الرّوحيّ.

– نشاطه في الكتابة ونشر أفكاره ورؤيته لموضوع التّراث الدّرزيّ وضرورة الغربلة للتّخلّص من عادات وتقاليد لا تلائم حياتنا المعاصرة خاصّة ما يتعلّق بمكانة المرأة وحرّيّتها وتعلّمها وعملها. (مجلّة الهدى، الأرشيف الدّرزيّ …)

تصوير واقع المعيشة في عسفيا: نتعرّف من الكتاب على أحوال وأوضاع المعيشة في بلدة عسفيا (والّتي تشبه إلى حدّ بعيد أحوال بلدتي كفر قرع وغيرها من بلداتنا) مثل: الاعتماد على الزّراعة وتربية الحيوانات، وجود المقاثي والبيادر، و”عين البلد” الّتي كانت المصدر لمياه الشّرب والرّيّ، وكانت العين كذلك ملتقى اجتماعيًّا للتّعارف والعلاقات العاطفيّة/الغراميّة، وهذا يشبه الدّور الّذي كان لبئر البلد في بلدتي كفر قرع، وفي ذلك كتب عندنا المربّي عبد الرؤوف قربي:

أدربَ البئرِ يا دربَ العذارى – ويا دربَ الوشاوشِ والفَكاها

وكنتَ المنتدى للحبّ حقًّا   –   وبئرُك كنزُ أسرارٍ حواها

كذلك نتعرّف – من الكتاب – على تفاصيل أخرى عن حياة النّاس ومعيشتهم مثل: زيارة الخلوة والمقامات، الخبز في الطّابون، وجود بابور للطّحن ومعاصر، المقابر وطقوس الدّفن والحداد، المكتبة العامّةفي عسفيا….

كما يكشف الكتاب في طيّاته عن بعض جوانب شخصيّة فايز عزّام في مراحل عمره المختلفة:

انتماؤه القويّ وقيمه الإنسانيّة: اعتزازه وفخره بطائفته وبلده وعائلته ووطنه بدون التّعصّب، بل يحترم ويحبّ ويتسامح مع الآخرين المختلفين.

حبّ العلم والمعرفة والمثابرة: وقد انعكس ذلك في اجتهاده وتحصيله وتفوّقه في جميع مراحل التّعلّم.

عصاميّته واعتماده على نفسه كما فعل في بذل الجهود والمثابرة في النّجاح بامتحانات البجروت بالمراسلة عام 1963 – 1964!

براءة الأطفال وصدقهم وقد تجلّى ذلك عندما أخبر – وهو طفل صغير – الشّرطة أنّ والده يمتلك بندقيّة ودلّهم على مكان وجودها.

ذكره للكدمة في جبينه، وهو في الصّفّ الثّالث، النّاتجة عن انبهاره و”عينه الفارغة” وهو يتابع مشاهدة سيّدة تظهر بلباس ومظهر جريء فيرتطم رأسُه بحرف حجر زاوية غرفة التّدريس فيُجرح وتبقى الكدمة!

شربُه قنينة مليئة بالكاز ظانًّا أنّها ماء ممّا أفقده الوعي، والحمد لله كتبت له النّجاة والحياة!

صفة الاعتراف بالجميل مثل اعترافه بفضل مدير مدرسته الابتدائيّة الأستاذ حنّا مبدا في تعليمه وتشجيعه على الكتابة الإبداعيّة، وكذلك اعترافه وهو في الصّفّ الثّامن بتأثير معلّمه للّغة العربيّة الشّاعر عبد الله يونس من قرية عارة في المثلّث في تحبيبه بالمطالعة وتذوّق الأدب!

الصّدق والصّراحة: بكاؤه الصّادق على وفاة أمّه الغالية عام 1979.

اعترافه في أكثر من موضع في الكتاب بأنّ ذاكرته تخونه فلا يتذكّر معظم أسماء من تعلّموا معه في البستان في الدّير، ولاأسماء زملائه من الصّفّ الأوّل ولا أسماء من سافروا معه إلى الكيبوتس وهو في الصّفّ الثّامن!

وأختتم هذا العرض بالإشادة بما كتب أفراد الأسرة من البنات والأنسباء والأحفاد من كلمات تجسّد الحبّ والتّقدير والاحترام لأبو شعيب الموسوعيّ والمُصلح والقُدوة:

– ما كنتُ لأبخل عليك بعمري لو كان العمر يُهدى – (الابنة ختمة).

– أبي العزيز كنتَ وما زلتَ منارةً تبعث الحبّ والطّمأنينة في قلوبنا، وتزرع الثّقة والأمان فينا مُضيئًا دروبنا بخطوات واثقة ساندًا إيّانا ببسمتك العذبة، وكلامك الطّيّب، وإرشادك الحكيم، وحُكمك العادل ليمضي كلٌّ منّا في مسارٍ اختاره…. وأنت صاحب العقل الكبير، والبيت المفتوح، والقلب الواسع، والرّشاد في الدّين والدّنيا، الملقّب بالموسوعة المتنقّلة بيننا وبين أبناء الطّائفة المعروفيّة وأهالي بلدنا الحبيب – (من عائلة الصهر بسّام وهدى مرزوق والأحفاد).

– ستبقى في نظر الجميع الإنسان الجريء، الكاتب المفكّر، المثقّف الشّيخ، الدّكتور، خفيف الظّلّ، وستظلّ أبي. الأب الذي علّمني كيف أكون إنسانة، زارعًا فيَّ حبّ العلم والنّاس، فاتحًا أمامي أبواب الحياة على مصراعيها- (الابنة المحبّة جوهرة).

– والدنا العزيز، أدامك اللهُ عزّ وجلّ ذخرًا لنا ولأبنائنا، ومن هنا يعجز اللّسانُ عن الكلام والعقلُ عن التّفكير، والقلبُ عن التّعبير… –(عائلة الابن شعيب وزوجته ميرا).

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*