الحبّ المفقود في رواية “في قلبي” للمحامي الكاتب رضوان صندوقة – د. روز اليوسف شعبان

الرواية من إصدار مكتبة كلّ شيء حيفا، 2024، تصميم شربل إلياس.

“في قلبي” رواية البحث عن الحبّ، في وطن ضاع فيه الحبّ، وبات السّعي للوصول إليه، يتطلّب جهدا كبيرا.

الرّاوي فارس صحافيّ متمرّس، كلمته مؤثّرة، لذا كان رجال السّاسة يخشون مقالاته، ويحسبون لها ألف حساب. هذا الشابّ الذي يقترب عمره من الأربعين، لم يعثر على حبيبته، إلّا عندما زار الطّبيبة غدير، وهي طبيبة قلب، ذهب إليها لمعاينته، بعد ألمٍ ألمَّ به في قلبه. فوقع في حبّها وبادلته الحبّ، وقد اعترف لها بحبّه منذ اللقاء الأوّل، وهذا أمر غريب، فكيف يقع المريض في حبّ طبيبته منذ اللقاء الأوّل، ويعترف لها بذلك بل ويسمعها أعذب الكلام؟

يمرّ هذا الحبّ بأوقات عصيبة، فوالد الطّبيبة غدير سجّان، وقد استدان من أحد رجالات الدّولة، واضطرّ للموافقة على خطوبة هذا الرّجل من ابنته الطّبيبة. وهذا أيضا مستهجن، فكيف يتصرّف الأب مع ابنته كأنّها سلعة تباع؟ علما أنّها طبيبة وتملك حريّة القرار والاختيار؟ يعرف فارس بخطوبة غدير فيحزن ويأسف ويعتبر ذلك خيانة لحبّهما، ورغم اعترافها له بأنّها لم تختر خطيبها وإنما أرادت إنقاذ والدها، إلا أنّ فارسا بقي غاضبا. بعد فسخ خطوبة غدير، زارته مع أختها في السّجن، وذلك بعد سجنه بتهمة التّحريض ضدّسياسة الدّولة، من خلال مقالاته الّتي ينشرها، يقوم السّجان والد غدير بالتّحقيق معه وبتعذيبه في السّجن.

بعد جدال حادّ بين غدير وفارس، حاولت الاقتراب منه، لكنّه أبعدها وخرج إلى ساحة السّجن، ألقى بخاتمه بعيدا، وقرّر نسيانها، وقد شجّعه أصدقاؤه في السّجن على نسيانها، خاصّة أنّهم عرفوا بخطوبتها مرّة أخرى. ثم يُحرّر فارس من السّجن بعد أن نجحت المقاومة من خطف جنود من رجال النّظام، وسطع الأمل في عيني فارس من جديد، لكنّ التساؤلات التي انبعثت من داخله عكّرت صفو حريّته:” ما قيمة الحياة إذا ضاع الوطن؟ إذا كان الحبّ غير موجود فلماذا نناضل من أجل الوطن؟ هل لنزرع فيه فراغنا وآمالنا؟ 

إلى جانب قصّة فارس هناك قصص أخرى، تصوّر التميّيز الصارخ في حقّ المرأة، ومنعها من متابعة التّعليم وحقّها في اختيار شريك حياتها.

رأينا ذلك في قصّة انشراح التي زوّجها أهلها بمساعدة إحدى النّساء اللّواتي يعملن على تزويج الرجال والنّساء لقاء أجر تتقاضاه، أعطتهم صورة شاب في الثّلاثينات يعمل في إحدى الدول العربيّة، وعندما سافرت إليه العروس اتّضح أنّه في السّتينات من عمره، في حين كانت هي في الثّامنة عشرة فقط.  صدمتانشراح حين رأته، لكنها لا تملك قرارها بالطلاق أو الرحيل، فعاشت معه عقدا من الزمن، حتّى وفاته، قضت سنوات من الألم والحرمان، ثمّ عادت بطفل إلى أهلها.

قصّة أخرى هي قصّة هيفاء التي  زوّجتها أمّها رغما عنها، ومنعتها من متابعة تعليمها، فعانت الذلّ والهوان في بيت زوجها جراءمعاملته الفظّة القاسية واحتقاره لها، إضافة إلى معاملة حماتهاالمهينة لها، التي سرقت صيغتها واتهمت هيفاء بالإهمال والتّسبّب في ضياعها، حتّى اكتشفت هيفاء الحقيقة، ووجدت صيغتها في غرفة حماتها؛ فأصابها انهيار عصبيّ، ولبثت في المستشفى شهرا كاملا، خرجت بعدها عازمة على طلب الطّلاق. تابعت دراستها وعملت في نفس الصّحيفة التي يعمل فيها فارس، وقد أحبّته وحاولت استمالته إليها لكنّها لم تفلح.

طرح الكاتب مواضيع اجتماعيّة هامّة، خاصّة تلك المتعلّقة بوضع المرأة المتدنّي في المجتمع، دون أن يطرح حلولا لهاـ فصوّر المرأة إنسانا مهانا ضعيفا، حتّى الطّبيبة غدير رضخت لسلطة والدها ووافقت على الخطوبة الأمر الذي يبدو غريبا. 

كذلك إرغام والد فارس على تزويجه من فتاة اختارها له، يبدو غريبا أيضا، علما أن فارسا متعلّم مثقف مستقلّ. فلماذا لم يخبر فارس والده أو اخته بأنه يتعرّف على فتاة؟ وأنّه يحبّها؟

ظهرت في الرّواية بعض المبالغات، فكيف يمكن لفارس أن يقع في حبّ غدير حتى الهيام من النظرة الأولى؟ وكيف له أن يتغزّل بها من اللقاء الأوّل؟ بل ويرفع التّكلفة ويناديها باسمها؟

وكيف يقضي رفاق فارس في السّجن وقتهم في الحديث عن قصّة حبّ فارس وغدير؟ أين حديثهم عن السّجن واعتداء السّجانين عليهم، أين حديث السّياسة، وكيفيّة الخروج من هذا السّجن اللعين؟

ولماذا غيّب الكاتب المكان والزّمان في روايته علما أنّهما عنصران هامّان لهما دلالات كبيرة؟

رغم ذلك، فإنّ رواية في قلبي رواية اجتماعيّة عاطفيّة شائقة كتبت بلغة جميلة شاعريّة كما في الأمثلة التّالية:”

نظرت إلى عينيها

قلت هنا نبع شعري

هنا أرقد بسلام

احتارت العيون بعد اللّقاء ماذا تقول

ما زال في قلبي جرح

ما زال في عيني كلام

أشعاري أزهار ذابلة

على عرش الحبّ معذّبة”. ص 37.

وفي ص 86 نجد كلاما شاعريّا جميلا:”

أيّتها الجالسة على مقعد الانتظار

لن أقول أحبّيني بقدر حبّي

أعلم أنّه محال

وأنّ قمّة الجبال

إن علت ما بلغت الأقمار.

مبارك للمحامي الكاتب رضوان صندوقة وإلى مزيد من الإصدارات.

 

 

2 تعليقان

  1. رضوان صندوقه

    اشكر الاستاذه الدكتور روز على التعليق والقراءه العميقه

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*