كفر مندا وكوكب أبو الهيجاء والخطاب بين العصبوِيّة والتَّعصّب – مصطفى عبد الفتاح

 تابعت بقلق بالغ ما صدر من تصريحات وردود على التصريحات، والتعليقات وحتى الخطابات، كرد فعل على تصريح وزير الداخلية موشي أربيل لإقامة لجنة تبحث إمكانية ضم مجلس كوكب لمجلس كفر مندا او مسجاف، او بمعنى ادق توحيد المجلسين، هذه الردود والتصريحات اقل ما يقال فيها انها ردود عاطفية تفتقر الى الموضوعية، الى العمق، والى تصويب البوصلة في الاتجاه الصحيح. والطريق الى القمة لا يبدأ من القمة، ولكن قبل هذا وذاك لا بد من مقدمة بسيطة، لطرح القضية بأبعادها الخطيرة، ومحاولة تصويب المسار بهدوء وموضوعية.

قريتان حباهما الله بجمال اخَّاذ، واذا كانت الأولى، تستظل وتحتمي بجبل الديدباء الشامخ دائما، وتمد قدميها مستريحة على بساط يتموج بالوان الوطن، ويدغدغ أرواح وعقول أبنائها، فينامون على حلم يشبه بيتًا في الجنّة، فان القرية الثانية تعتلي صهوة الجبال وتجلس امام عرش الوطن تركن ظهرها لجبل الديدباء يحميها، فتنظر الى مساحات الوطن الممتد من راس الناقورة الى أعالي جبال الكرمل والجليل.

إن اطلّ أحدهم من قمّة رأس المُصلّى، أو المسخوطة، فسيرى وجه الله بأبهى صور الخلق، فيعود إلى قريته بعد أن شرب من عيونها وارتوى، ليحتضن تاريخها وعاداتها وتقالدها، فتمتزج في شرايينه أرض كوكب بأرض مندا والعكس صحيح، من لا يعرف، كرم المل، الخولية، أبو عليق، صما، الموفق، كرم الغزلان، والمارس الشمالي، بير الحنانة في وسط القرية، وعيون كوكب بينهما، والتاريخ وقصص الآباء لا تُنسى، عندها سينام في حضنها، ومن عشقها غفوة الحالم بالمستقبل الجميل، فبربكم أيهما الأجمل عند الانسان عينه اليُمنى أم عينه اليسرى.

لا اريد ان استرسل وسأطرح بعض الأفكار:

طرح فكرة الاندماج بهذا الوقت وبهذه الظروف، ومن قبل حكومة يمينية متطرفة، ليس طرحًا بريئًا ألبتّة، ويجب التعامل معه على هذا الأساس، وقد استطاعوا في وقت قياسي من حرف النّقاش، من نقاش حول الاندماج بين سلطتين محليتين لاسباب اقتصادية لا ناقة لنا بها ولا بعير أهمية الاندماج ومساوئه، إلى نقاش بين قريتين رائعتين أيتهم أفضل من الأخرى وبكلمات مسيئة جدا لنا جميعا كأفراد وحتى كشعب.

من واقع انتمائنا للوطن، الأرض والانسان، بكل تفاصيل الحياة ومقوماتها، علينا ان نعي اننا أبناء شعب واحد مجبولون بتراب هذا الوطن، وانتمائنا هو للكل وليس للجزء واي محاولة لثني هذا النقاش عن مساره، هي محاولة بائسة ويائسة ومرفوضة، فكفر مندا عزيزة علينا تمامًا ككوكب، وكوكب عزيزة علينا ككفر مندا، وباقي التفاصيل هامشية.

جميل ان يكون المرء عصبويًا بمعنى أن يدافع عن مبادئه وما يؤمن به، بشرط أن لا ينفي الآخرين، ولا يهاجم غيره بطريقة جارحة، لان عصبويته ستصبح تعصبًا أعمى وأقرب إلى العنصريّة ونفي الآخر، فيفقد النقاش قيمته ويتحوّل إلى مهاترات، وحرب كلمات نحن بغنى عنها.

وللتوضيح فانا استغرب خطاب علي زيدان الذي ينضح عنصرية، الذي ردّ فيه على صلاح حلومة من على صفحات التواصل الاجتماعي، في دفاعه عن بلده، وبغض النظر عما قصده أو قاله صلاح وهو يتحدث عن سلطات محلية لا عن القرية أو البلد، تمنيت على علي أن يوسّع دائرة انتمائه قليلًا ليشمل كوكب وصفورية وربما الناصرة ورمانه والبعينة، ليصبح إبن شعب لا إبن قبيلة، إبن وطن لا إبن قرية، لكان تجنب العنصرية وإلغاء الاخر، ولما تفوه بمثل هذه الالفاظ الجارحة.

تخيل أنّك تقول لشخص يسكن بلدك وولد وترعرع فيها، انه دخيل ويمكنه الرحيل، لأنَّه لاجئ، حقيقة لا اصدق ما اقرأ، هل ابن صفورية بعد ثمانون عامًا ما زال دخيلا بجرة قلم، انّه من قلب هذا الوطن، والوطن أينما كان يحتضن أبنائه، له فيه ما لك فلا تزاود على أحد ودع كل شخص يفكر ويحب الوطن بطريقته.

الانتماء لا يعني التعصب، ولا يعني العودة الى القبلية والجاهلية، ورفض الآخر لمجرد أنّ رأيه مغاير، أو يرى الأمور بطريقة تختلف عن الآخرين، الإنتماء يعني الحب ويعني العطاء بدون حدود، أن تحب بلدك يعني أن تحب الانسان في بلدك، لا أن تحاربه، يكفينا تشرذم وتفسخ وانشقاقات.

أتمنى على رئيس المجلس في كوكب وفي كفر مندا، ان يوسع دائرة الانتماء في نقاشاتهما حول الموضوع حتى نتمكن من مناقشة السلطة ووزارة الداخلية بموضوعية ومهنية عالية ونحن قادرون، وبذلك نمنع اختراقنا بهذه السهولة. وأتمنى على الائمة في المساجد في القريتين، واليوم استمعت الى خطبة الجمعة من الشيخ حمزة في كوكب تحدث بإسهاب عن الإنتماء أهميته ودوره في الدفاع عن إنجازات قريتنا وتاريخها، وعن أبنائها البررة الذين حملوا رسالتها وحفظوا عهدها وصانوا تاريخها بكل محبة وإخلاص، وبمنتهى العطاء والوفاء.

كم كنت أتمنّى أن يوسّع الشّيخ دائرة الإنتماء لتشمل الوطن بما فيها الأرض والانسان في هذا الوطن، حتى لا يشعر إبن كفر مندا أو غيرها أنّه يختلف أو لم يقدّم لقريته كما قدّمنا نحن، وحتى نتحرّر من عقدة القبليّة والذّاتية والأنانيّة الضيّقة، وننطلق إلى فضاءٍ أرحب.

لسنا أفضل من كفر مندا، وليست كفر مندا أفضل من كوكب، فنحن أبناء شعب واحد نحمل نفس الهموم ونفس القضايا، لنا تاريخ وعادات وعلاقات وصلات لا يمكن لأحد أن يمحوها، نتكاتف ونشّكل لجان مهنيّة لتردّ على الوزارة والتّصدي لمخططاتها المشبوهة. لتبقى قرانا مهد حضارتنا وثقافتنا وتاريخنا.

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*