كانت وفاة الصديق الأديب محمّد نفاع، قبل حوالي ثلاث سنوات، فاجعة لي ولأهله وأصدقائه ومحبّيه وشعبه لأنّه كان في قمّة العطاء.
عرفتُ المرحوم قبل أكثر من خمسة عقود عندما كنّا ندرس في الجامعة العبريّة في القدس، وأذكر عبارته التي بهرتني: “أنا عربيّ وأعتزّ بانتمائي للعروبة، وأقول ذلك ليس إرضاءً لأحد، بل لأنّ هذا ما أومن به”.
يومها اكتشفتُ كم هو منتمٍ لدوحة العروبة الباسقة ولشعبنا الأبيّ، وكم هو عاشقٌ لتراب هذا الوطن، ولقراءة روائع الأدب وممارسة الإبداع.
لكن بسبب ظروف عائليّة ترك محمّد نفّاع الدراسة الجامعيّة في القدس وعاد لأسرته الغالية ولقريته العامرة الصامدة بيت جن، والتحق بجامعة الحياة التي فتحت أبوابها على مصراعيها ليكتسب منها أغنى التجارب وأعمقها، وأتاحت له الاطّلاع الواسع على مؤلّفات كبار المنظّرين والمفكّرين والأدباء، ومن هذا المعين الخصب، وبفضل ذكائه الحادّ وموهبته الفطريّة، شرع يستقي موضوعاته في نصوصه الأدبيّة وفي مقالاته السياسيّة والاجتماعيّة، تلك النصوص التي نالت إعجاب القرّاء والنقّاد والباحثين.
ودارت عجلة الزمن، واستمرّت علاقة الصداقة والمحبّة والوفاء بيننا.
وعندما باشرنا في إعداد المنهج الدراسيّ الجديد في الأدب العربيّ للمرحلة الثانويّة عام 1981 ارتأينا إدراج إحدى قصصه المتميّزة: “الله أعطى والله أخذ” لهذا المنهج وقد لاقت تلك القصّة استحسان الطلّاب والمعلّمين.
كذلك أدرجنا قصّة “العين” لمنهج الأدب المعدّل الصادر عام 2009م.
حظي المرحوم محمّد نفّاع أبو هشام بالتقدير والاحترام من جميع معارفه على ما تحلّى به من تواضع جمّ ووفاء صادق، وعلى مواقفه الوطنيّة والقوميّة، وعلى مبادئه الإنسانيّة الأمميّة، وعلى عطائه الأدبيّ الغزير الراقي الذي تُرجم العديد منه لعدد من اللغات الأجنبيّة، وقد توّج هذا التقدير بمنح مجمع اللغة العربيّة في الناصرة جائزة الإبداع الأدبيّ لأبي هشام مؤكّدًا أنّ: ” محمّد نفّاع كاتبٌ ملتزم بكلّ معنى الكلمة: للأرض والتّراث واللّغة. كاتبٌ التصق بالأرض ورضع من حليب الوطن وترعرع بين الجماهير الكادحة والبسيطة، فجاء أدبُه مرآةً صادقة لعذابات الناس الكادحين. وبهذا استحقّ جائزة المجمع للإبداع لعام 2016″.
وفي هذه الأيّام العجاف كم نفتقد مواقف الأخ محمّد نفّاع الثابتة في الدفاع عن الكادحين المسحوقين، وكم نحتاج لمثل إنتاجه الأدبيّ القصصيّ الذي يُرسّخ الانتماء للأرض ويؤكّد القيم الوطنيّة والقوميّة والإنسانيّة!