الكلمة عالم قائم بذاته، سلطة مستقلة تتمتّع بحكم ذاتيّ، ونفوذ واسع … تستمدّ سلطتها المباشرة من اثنين: العقل الضارب في الحساب الماديّ، والعاطفة الضاربة بالحساب الروحيّ.
في البدء كانت الكلمة. من روح الله انطلقت شمعة لا قذيفة! فرعاها وعمّر لها مساكن خاصة في أعلى أبراج الكون، العقل. ومنحها الوكالة الحصرية للتواصل معه بدون وساطات.
سلطانة مطلقة الحرية انطلقت تصنّع من الورق حبّاً يتخطّى المجال المغناطيسيّ للعقل! تقوم بأعمالها بمفردها، لا خدم ولا حشم … تدير شؤون مملكتها الواقعة تحت مظلة الغلاف الجويّ للأرض. أحبّ النشاطات إلى قلبها تعشيب مزارع الحروف، تقليمها وسقايتها. غاية ما تتمناه هو أن تثمر ثمارًا صالحة لصياغة أشكال من الحليّ تليق بجلالة الحبّ. الكلمة حياة تؤمن أنّ الحبّ هو الهدف والوسيلة!
الكلمة المشار إليها هي هذه المؤهلة لعبور الحدود الدوليّة بدون تأشيرة دخول … ومنها ما تحدّت الجغرافيا وتناقلتها الريح جيئة وذهابًا بين محترف جبران خليل جبران ومحبرة مي زيادة، واستقرّت في التاريخ علامة تعظّم الكلمة، وتلقي عليها وشاح الوقار كوسيلة نقل صالحة لحمل الإنتاج الإنسانيّ؛ الفكريّ العاطفيّ في قارب الحبّ العذريّ.
الكلمة “حبّ إن لم نجدها على الأرض لاخترعناها ” لكنّ الله، سبحانه وتعالى قد وفّر علينا عناء البحث، فألهمنا اختراع لغات، فزرعنا حقولها كلمات من كلّ الأصناف والطعمات. أفضلها اثنتان:1الكلمة الحلوة. وهذه، كما يقال، تخرج الأفاعي من أوكارها… وإذا زدت الحلاوة طيبًا “أفرش حدها ونام”. فما يعنيها من الحياة هو الأمان.2 الكلمة المرّة: وهذه صنف من الأدوية النافعة لمحاربة أورام الضمير… والفشل الدماغيّ المتسبّب بوباء الاستسلام.
الكلمة قوّة جبّارة تتمسّك بأهداب الحياة، تحمل على عاتقها همومها وأحلامها… عاشقةٌ تقدّم ذاتها وصفةً طبيّةً لشفاء الإنسانية من علّاتها. وتعرض نفسها مشروع إحياء السلام، إذا ما أعياه المشوار صعودًا وهبوطًا دون رفيق، فهي معينة ملازمة لا تثقلها سلاسل الحروف وسلال الأقلام… تعتني بما يراكم من حصاد، وتراكم ما استطاعت من بذور السلام المستجدّة.
_ الكلمة العدّاءة الملتزمة، إذا أقعدتها الظروف لا يعيبها التنقّل على كرسيّ العجلات.
_ الكلمة الأصيلة نجمة ببريق أخواتها تزهو وتعلو… والعليلة تستشفي بخطف قناديلهنّ… إن نجحت مرة لا تنجح مرّتين.
_الكلمة الخرافة كوكب سيّار حول الحقيقة، مربوط بحبل خيال خرافيّ الذكاء.
_الكلمة السحريّة لا تزيد عن حرفين خجولين، حاء وباء. لكنّ حروف الكبرياء كلّها تستميت للاحتكاك بهما.
_الكلمة الرخيمة تبيّض الحمام على الوتد، وتحمي الغزال من الأسد.
_الكلمة المتواضعة ترنيمة تركّع الشياطين وتتوّج الملائكة.
_الكلمة لسان حياتنا. حصانها، لا تصون إلّا مَن صانها، ولا تخون إلّا مَن خانها!