زائر مزعج – عامر عودة

زارني في إحدى الليالي رفيق ذميم مزعج، دخل دون استئذان وتعلَّق بي كقرد صغير لا يفارق أمّهُ. وما أن بدأت أغوص في النّوم، كما يغوص جسم ثقيل في الماء، حتّى انتشلني صوتهُ المزعج من هذا الغوص اللّذيذ. من أين جاءني هذا؟! أَلا يكفي إزعاج جيراننا السّاكنين فوقنا؟! إذ لا يحلو لأولادهم القفز واللّعب إلّا في اللّيل! فعودّتُ نفسي على التّأقلم مع هذا الأمر، والتّعايش مع هذا الواقع. لكن كيف أتعامل مع هذا الزّائر الذي لا يأتي إلّا على حين غرّة، ويجعلني متوفزًا تنثال على رأسي الأفكار السّوداويّة وأستجدي النّوم؟

– كيف تنام وابنك ما زال خارج البيت؟!

صرخ في وجهي. فأجبته محاولًا أنْ أمنع تَسلُّلَ جيوش الأفكارِ المظلمة إلى رأسي:

– ابني في العمل. لا خوف عليه.

– ربما كَذَبَ عليك وهو الآن مع أحد أصدقائه. اِحذر! في السّنواتِ الأخيرة زادت عملياتُ القتل والجريمة. قم واتّصل به قبل أن يعتريك النَّدم.

– ليس عنده أصدقاء سوء، ولن أتّصل به في هذا الوقتِ المتأخّر منَ اللّيل، سيقلقهُ اتصالي. اتركني أريد أنْ أنام. لا تثير مخاوفي هباءً.

قلتُ هذا ثم أدرتُ له ظهري لعلَّه يرحمني ويبتعد عني، لكنَّ ثعابين هواجسه التفّت حول عنقي، وبدأت تخنقني وتهمس في أذني:

– كيف ستسدُّ القرضَ الذي اقترضتَه منَ البنك واشتريتَ به سيّارة يوم أمس؟ معاشك لا يكفي، وزوجتك ما زالت بلا عمل.

أجبتُه بغضب وأنا أتقلَّب على فراشي:

– بل يكفي وزيادة. وزوجتي ستباشر بعمل جديد بعد أيّام.

– لكن وضع العمل عندكم مقلق، فقد طردوا العديد منَ العمّال، وربما يطالكَ الدّور.

– أنا مِهَنِيٌ جيّد. لن يَجِدوا بديلًا لي

وأردفتُ بعصبيَّة:

– اتركني أريد أن أنام فلم يبق منَ اللّيل إلّا آخره…

استطاع جسمي النّوم، أمّا عقلي فقد داهمتْه الهواجس من كلّ حدب وصوب، وكلّ شيء بدا هائلًا ومخيفًا. أغمض جفنيَّ في محاولة مني لإلحاق عينيَّ بجسمي لعلًّ عقلي يتبعهما، لكن عبثًا، إذ لم يجعلني أنعم بالنَّوم دقيقة واحدة، فقد سارعَ الملعون بتأجيج هواجسي مجددًا قائلًا:

– كيف يغمض لك جفن، وسيّارتك التي اشتريتَها يوم أمس غير مُؤَمَّنة وخصوصًا ضدَّ السّرقة؟!

أفتح عينيَّ على وسعهما فيهربُ النّوم منهما بعد أن كاد لمسهما، وينتابني هاجس يجعلني أتقلبُّ مرارًا على سريري. إذ لم أستطِع تأمين سيّارتي يوم أمس، بسبب خلل مؤقّت في شبكةِ الإنترنت التّابع لبطاقاتِ الاعتماد.

 

أقوم من سريري متوجّسًا وأفتح النّافذة لأطمئن على سيّارتي، فأرى تباشير الصّباحِ الأولى قد بدأت بالانتشار بينَ البيوت، وسيّارتي المركونة تحت إحدى الأشّجار، كان الظّلام ما زال يُغطّيها، وهي نائمة باطمئنان بعيدة عن جحافلِ القلق. عندها ارتميت على سريري مُنهَكًا، يداعبُ النّوم جفوني، بعد معركتي الطّويلة مع ذلك الزّائرِ المزعج.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*