سيّدي الوجعُ – جهاد بلعوم

سيدي الوجعُ؛

أيّها الحاضرُ منذُ الأزلِ

تحيةَ عناءٍ وبعدُ

_ _ _ _ _ _ _ _

 

أنا ودمعتي المخذولةُ ندعوكَ لحضورِ افتتاحِ أوّلَ فرعٍ للدهشةِ في مدينةِ الحزنِ.

سيدي الوجعُ؛

أنا وصوتي الواهي نلوذُ بكَ منْ مسائِناالكاسفِ ونرفعُ أكفَّنا المرتعشةَ ندورُ بَها في ملامحِ الأطفالِ البريئةِ، نُلملمُ بقايا جراحِهم ونموتُ حتى نحيا منْ جديدٍ.

 

يا مُعتقلَ الأسرارِ الموجعةِ ولعبةَ الخذلانِ الفجائيّةِ، يزعجني أنْ تمرَّ علينا مرورَ الكرامِ وترحلَ، فجروحُنا التي نزفَتْ مع إطلالةِ كلِّ لحظةِ فرحٍ خائنةٍ قتلَتْ فينا حقولَ العشقِ،فأصبحَتْ باهتةً.

 

أيّها الوجعُ المتواطئ معَ الحياةْ

أُصرخْ!

كأوّلِ جوقةِ سحابٍ مسرعةٍ نحوَ المطرِ

كصرخةِ أوّلِ بريقٍ على مرمى النظرِ

كأوّلِ عنقودِ حبٍّ على صدرِ داليةِ احتضرَ

 

أعلمُ أنّكَ قدْ ملَلْتَ منْ قصصِ البطولةِ العرجاءَ، فصرْتَ مثلَ فراشةٍ اعتكفَتْ على سجّادةِ صباحٍ ممزّقةٍ، ثمَّ في حِضنِ بستانِ فرحٍ منسيٍّ ماتَتْ.

 

أيّها الوجعُ؛

غَضُّ الأقدامِ أنتَ، مٌوحش بالإِقدامِ ..

أحمرُ الشّفاهِ، مُوغلٌ في القُبلِ ..

عبوسا عندَ اللقاءِ، فرحا وقتَ العناقِ ..

موجعٌ أنتَ بعدَ الفراقِ ..

 

صَهْ أيّها الوجعُ!

أنتَ لا تأتي إلّا وأنا مُطبِقٌ على فمي خوفا منَ الصّراخِ خلفَ جنازتي ..

نعمْ أيّها الوجعُ، أنا الشّخصُ الغريبُ في قصيدةِ درويشٍ لكنّي في هذهِ القصيدةِ أعرفني عندَ السّؤالِ

فأنا أشهدُ أنَّ لا وجعٌ إلّا وجعُ الحياةِ وأنَّ ذلكَ الميتَ هو أنا أيضا بعد السّؤالِ وقبلهِ ..

 

أنا الميتُ في قصصِ الفرحِ

أنا الحيُّ في أساطيرَ العربِ

أنا إلهُ الدّمِ في أحلامِ الأطفالِ

أنا عالِمٌ بمواعيدَ الصّلاةِ منذُ الأزلِ، منذُ أن صلّى قابيلْ خلفَ أخيهِ هابيلْ بعد أنْ قتلَهُ،لكنّي لا أصلّي إلّا خلفَ ضميري الميتِ،أصلّي عندَ رفعِ آذانِ الصّمتِ …

 

إغفرْ لي أيّها الوجعُ زلّاتِ الصمتِ، فهيَ كثيرةٌ وأنا غيرُ قادرٍ على حملِهِا، أراها تتّسعُ وتتّسعُ، تلتفُّ حولي وتضيقُ، ثمَّ تنفجرُ بصمتٍ

أتعلمُ أيّها الوجعُ، مُتْ غرقا قبلَ أنْ تنفجرَ، متْ كصدرِ ضفدعٍ يبدّدُ عتمةَ الصّمتِ قبلَ أنْ ينتفخَ، متْ بعدَ أنْ تنتفخَ وتخنقَ فينا الوجعَ.. 

أيّها الوجعُ؛

تعالَ صباحا، تعالَ مساء، تعالَ حينَ نُدهَشُ من قدومِكَ، تعالَ حين تبلِّلُني كومةُ مطرٍ،تعالَ حين تعكسُ دمعتي ألوانَ قوسِ قزحٍ،تعالَ معْ رائحةِ الخبزِ في طابونِ أُمّي، معْ بسمة أبي الّتي اختفَتْ من أناشيدِ الصّباحِ ..

تعالَ أيّها الوجعُ، بعدَ أنْ يجفَّ عرقُ الدّهشةِ ويطأطِئَ الموتُ رأسَهُ خلفَ جنازةطفلٍ صامتةٍ..

 

دامَتْ هيبةُ الموتِ في ديارِكُم عامرةً،…

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*