عاش هاشم يقاسم قطته الحياة وطعامه رغم احتجاج أمّه المؤمنة أنّ الله يبعث مخلوقاته ورزقها معها، ولكن هاشم، والحقيقة تُقال، كان يقتطع ما يطعمها من حصته في الوجبة القليلة أصلًا، حريصًا ألا يكون ذلك على حساب حصص أخوته الصغار الأربعة، وربّما هذا ما جعل الأمّ، إضافة لابتسامة الأب الهادئة، تكتفي بالاحتجاج.
يوم عاد هاشم بالقطّة صغيرة، في طريق عودته من المدرسة، لم يرُق الأمر كثيرًا لأمّه. ولكنّها قبلتها مقيمة إضافيّة في البيت الضيّق ولكنّه الحنون وليس فقط لأنّه من بيوتات “بيت حنون”. صارت القطّة رفيقة صغارها المحبّبة فأحبّتها “على حبّهم”، وعندما كشفت سرّها، دون هاشم والصغار، صارت تقدّم لها من حصتها في الوجبة، ولم يسأل هاشم أمّه السبب، المهمّ أنّ تصرف امّه أفرحه وأراحه.
صارت القطة، على غير عادتها بعد التهام الطعام، بدل أن تروح تحكّ جنباتها جذلى بجنابه وأخوته، تخرج من البيت وتغيب لتعود قبل موعد الوجبات، واعتاد أهل البيت ذلك غير قلقين ما دامت تعود. انكشف سرّها حين عادت يومًا يتهادى وراءها أربعة من الصغار. الفرح الذي غزا الأولاد مع دخولها ملأ البيت ضجيجًا ولم يطُل حتّى كان كلّ صغير بين أذرع صغير، صار لاحقا القائم على الاهتمام به في الصغيرة والكبيرة، حتى الصغيرة ابنة السنتين لم تتخلّف، ولم تتخلّف أمّ هاشم عن مساعدتها في المهمّة.
كادت ذراع هاشم تتمزّق بين قوة ذراع أمّه الراكضة به نحو مدرسة الأونروا وبين جسده الشادِّ إياه عودة نحو البيت، وإذ لم تترك له أمّه فرصة وقد كانت سحبته هكذا بغتة حين بدأت القذائف تنهمر حول البيت، استسلم لذراعها ولغصّة طوقت حلقه وراحت تنهش فيه.
وظلّ هاشم وأخوته في مجمع الأونروا يقتطعون من وجباتهم الحصص والأم تحتفظ بها.