لزمتُ الحياد فيما يجري، منذ سنوات، من تنافر وتناقُر بين تكتاكة نابضي الحنونة السَّكوت وضرّتها النقّاقة البكماء. لكنّ عصفورتي السمراء، وقبل شقّ الضو، تفاجئني اليوم ريشة يهتزّ الصبح لها. وتسقط من ذيل الفضاء رسالة! يا ساتر! إنّه إخبار رسميّ عاجل يقضي بقرص أُذن ساعتي الأليفة، وإخضاعها لإرادة ضرّتها العدّاءة المتصابية!
ساعتي مستاءة من سلوك ضرّتها الشمطاء، وهي الشامتة بها مزرودة الزند. بل وتُكرهها كلّ عام مرتين على القفز إلى الأمام ستين نبضة خريفيّة، وإلى الوراء ستين تكتكة ربيعيّة!
فما لتلك العجماء يا دنيا ومالي؟ ما لهذه المدّعية مناصرة الحريات تربطني برسن الطاعة، تسوقني، تجرّني وتجرجرني؟ لماذا تعدو اليوم.. وغدًا تتخلّف؟ فهل تجهل أنّ لي بين اليوم وغده عهد والتزام؟ ألا تعي أنّ قيدها يدمي معصمي؟ فكيف لهذه أن تتشدّق وتنذرني بالتخلّف عن الدنيا فيما لو خطر لي التحرّر يومًا من سلطانها!؟ وأحتار في أمرها؛ تسبقني بالشكوى زاعمة أنّني أتلكّأ في زمن لا يحتمل السلاحف! تتصنّع حيويّة الطفولة ورشاقة الشباب لتغمز تذكيرًا بأن لا مكان في هذا الزمان لمن يتسلحف! بل وتطالب المحافل الدوليّة بمقاضاة كلّ من يستقوي على عقرب ثوانيها، أو يتعرّض بالذمّ لعقربها الزعيم أو قوّاسه الذميم!
مستاءة منها لا تراعي هواي السير في الأرض على مهل! وأخشاها تعمل على تحويلي إلى شاهد زور على مرور العصور بسلام بين النور والظلام!
وأفهم من صمت نابضتي أنّها تشير عليّ برفع دعوى مضادّة للهيئات الشعبيّة، وحشد شهود عيان يكذّبون تمرّدي. وإلّا فسأُواجه الحكم بالتمرّد في إطار الحقوق المرعيّة، وأتقدّم للدفاع عن حقّي الطبيعيّ بالتمعّن بلوحة من السُحب المتعانقة، أو استراق نظرة لغيمة مارقة… والإنصات لما يدور على جوانب الحياة من حكايات وثرثرات وإنشائيّات… فأنا مصمّمة على التحليق في فضاء روحي، مهما كان الثمن! وعلى التحديق في كلّ نجم حالم أو كوكب من أخوات أرض الساعات المحكيّة!
دعانا القاضي إلى المنصّة، وأطرق واجمًا يصغي لمناظرة تمهيديّة على مسمع الساعاتيّ، آملًا أن يجترع هذا حلًّا يصلح ما أفسده الدهر من طباع الساعات، أو تخصيص مساحة تُمنع فيها العقارب من لدغ بطون السلاحف المتباطئات.
أُعطيتُ حقّ الدفاع. وقبل أن أبلع مقدّمة الكلام رنّ منبّه معصم الساعاتيّ، فجفل! فقد تذكّر أنّه على موعد، فغادر مسرعًا! إلى أن يعود ويستأنف النظر في القضيّة ستنام ساعتي في أدراج المحكمة! لذا فقد أعلنتُ العصيان العامّ احتجاجًا! وتوجّهتُ لإبرام صلح منفرد مع أُم العقارب العدّاءة.
بناء عليه سأبقي على علاقتي الرسميّة بها، مقابل انتزاع وعدها بأن ترافقني السير إلى الوراء، حيث أُعرّفها على حاضرات الأبرياء من دماء شاعريّة الطبيعة. دون هذا لن يكون مني غير تنظيم مسيرة احتجاج على ذبح الوقت فوق مدارج زمن صفّارات الإنذار والهدير والعويل.. وأخبار الأعاصير.
لم أشعر، وقبل أن نتصافح ونغادر القاعة، كيف تسلّلت، أصلحت هندامها وانطلقت مسرعة لتركب أوّل طائرة موجة أثيريّة مغادرة! وصدى دعوتها يتردّد في القاعة: إلحقيني!