يا أيها التبرُ المطرّزُ في تقاسيم الهُزامْ
يا أيّها الشّعرُ المؤلّفُ من جُزَيْئات القلوبْ
يا أيّها الحبرُ المصَنّع من روايات الغرامْ
يا أيّها العُمرُ المعلّقُ فوق موجات الغُيوبْ
عش ماجدًا متألّقًا بين المحابرِ والرّقاع
نبغتْ على طعم القصيدِ عيون حُسْنٍ مِن شَجَنْ
طفقتْ تجوبُ لحاظُها في بحرِ فنٍّ أسعدِ
وتعلّم الشرْقُ المعذّبُ كيف يغتال المِحنْ
ويعيشُ بالشّعْرِ المُحَلّقِ في فضاءٍ سرمدِ
يا حُبُّ جدّد عهدَنا فنزارُ خفّ به الشراعْ
عُزفتْ تفاعيلُ الخليلِ وشَدْوُها رسم الشّفقْ
. والأبجديّةُ طاوعت وتضوّعت أعواد نَدْ
وَهَبَتْ مقاليدُ البراعة قلبَ صدقٍ قد خفقْ
رَوِيَتْ شرايينْ الحياةِ بلاسِمًا جزرًا وَمَدْ
يا شعرُ أنت بميتمٍ فنزارُ ودّعَهُ اليراع
يا “تونُسُ الخضراءُ ” من لكِ في رحابكِ يعتبُ
قومي انظري زُمَرَ الزعامةِ كيف غطّتْ في وَسَنْ
هدّتْ بيارقُ عزّنا ذيلَ الخيانةِ تسحبُ
مِنْ بعدِ أن قتلوا النبيّ تشدّقوا يحيا الوطنْ
صوتُ العروبةِ لن يذوبَ وليسَ يثنيه الخداع
الحُبّْ والأملُ الرطيبُ وشمسُ فكرٍ ساطعةْ
صارت تنادي في ضميرِ الغيبِ قلبًا عبقريّْ
لكن لقد بعُد المزارُ ولا تُرَدُّ الفاجعةْ
وانحلّ دوزانُ الكمانُ وما صحا اللحنُ الشجيّ
يا لَلْعيون النافذات تسَمّرتْ تحتَ اللفاعْ
ناديتَ باسم الحَقِّ هتّافًا بأطفال الحجارةْ
داسوا بأقدام الصّمود جميعَ أصناف الظّلامْ
زرعوا شجاعة شعبهم في أرضهم فكّوا إسارهْ
كسروا قيودَ القهرِ وانتشلوا الكتاب من الحطامْ
خطّوا حكاية مجدهم في كلِّ سهلٍ أو يفاع
غَضِبَتْ سطوركَ من حلولِ الضّعفِ أو كيل الحشفْ
وتدافعَ القوّادُ باسمِ السّلمِ راحوا هروَلهْ
لم يبقَ فينا من شعارٍ أو ذَمارٍ أو شَرَفْ
والعُنْصُريّة تنتشي في الناسِ تعلو منزلهْ
جُرحتْ كرامةُ شعبنا والجرحُ يهفو للنّخاع
بقي الكلامُ وهل يُفيدُ القولُ أو سحرُ البيانْ
فمتى تقالُ العثرةُ الكُبْرى وينبثقُ الأملْ ؟
هل يصدُقُ التقويمُ فينا في غدٍ كسبُ الرهانْ
قبّانِ مزّقتَ البراقِعَ ليسَ يُعشيكَ الدّجلْ
عشْ خالدًا طيّ العصورِ فقد بذلتَ المستطاع
* بمناسبة ذكرى رحيله في ٣٠ /٤ / ١٩٩٨ *