أوراق من الذاكرة للأديب الفلسطيني: عبد السلام أحمد عابد، من منشورات الوسام للثقافة والإعلام عام 2022 م، صورة الغلاف بعدسة نسيبة سعيد
تتسم هذه الأوراق بحالة خاصة مشبعة بجمال الطبيعة، وتتخذ لها هدوءا خاصا منسجما مع زقزقة العصافير، وتمايل حقول القمح في بداية الصيف، وصهد موسم الزيتون، هي مذكرات أو يوميات كما ذكرها الكاتب، بوح ممزوج بعطر الأزهار البرية، التي تنبت بين ضلوع الأرض، لا ندري هل أثرت به الطبيعة أم هو من آثر أن يتأثر بها، فغمر مفرداته بماء طهرها، وسحر خلقها، على الحالتين نحن أمام كيان أخاذ يظهر عظمة الخالق، وجمال الطبيعة وصدقها وعطائها.
ملامح لغة الكاتب رسمت صور نثرية لها إيقاعا يسامر الهضاب والسهول والجبال والوديان، حظه الوفير أنه ولد على أطراف مرج ابن عامر، خصوبة الأراضي فاضت على لغته، وعذوبة الوديان في مواسم الشتاء الفياضة منحت لغته عذوبة وغزارة.
لم يذكر الكاتب صعوبة حياة الفلاح وحالته الاقتصادية المتذبذة حسب المواسم، وكأنها لا تعنيه، ولا تستحق الذكر، مطبقا مقولة الشاعر. – إيليا أبو ماضي
أحبب فيغدو الكوخ قصراً نيراً
وابغض فيمسي الكون سجناً مظلماً.
انعكاس الكاتب من الداخل إلى الخارج يبعث الهدوء والمحبة للأرض والإنسان.
أدواته الكتابية ارتقت مع الزمن، لقد سعى وراء هدفه وحرص على تطوير ذاته، بالقراءة أولا حيث قرأ لعدد من كتاب فلسطين وتعلم النقد من خلال المطالعة، وبين أهمية وجود مكتبة منزلية في البيت، وأثرها في اهتمام الأسرة بالمطالعة، ثم الكتابة وقد عرض كتاباته على الصحف المحلية وشاركها، وتقبل النقد في ذلك درس للكاتب الناشئ، ولم ينس البدايات، أول كتاب حصل عليه، وأول قصيدة كتبها، وأول مقال، وكيف أنه اختار بعد ذلك النثر بعد أن اطلع على المدارس الشعرية القديمة والحديثة ودرسها جميعا.
هذا درس ضمني في نصوص يومياته ، وهناك دروس مباشرة، حيث استخدم الكاتب أسلوب المعلم “سؤال وجواب” ليرسخ في عقول أبنائه وذاكرتهم هزيمة حزيران، واحتلال ما تبقى من فلسطين وأجزاء من بعض البلاد العربية.
وأعظم الدروس التي فاض علينا الكاتب من ذكرياته، الجو الأسري والعائلة المتحابة المتعاونة، حيث يتقاسمون رغيف الخبز الساخن، من على الموقد، وتجمعهم مائدة بسيطة، أو كانون نار في ليالي الشتاء الباردة.
الكاتب إنسان عادي يمضي يومياته كما الآلاف الأشخاص، ينام احياننا في الحقل، ويشرب من ماء البئر، في ذلك رسالة عندما تخلد الروح للبساطة تكون أجمل، ويبقى لها أثر كالمطر يحل الخير بقدومه، يحفر الصخر ليس بالقوة بل بالصبر والمثابرة وطول العطاء.
أجاد تصميم الغلاف بحرفية وإتقان، ليعبر عن مضمون الكتاب، يضفي عليه لون الأشجار والنباتات الخضراء، ولون وزهر اللوز الأبيض، لتمزج لون المروج ولون روح الكاتب معا، وصورته وهو يجلس على الغلاف الخلفي بكامل طاقته التأملية، ينحني قليلا لعظيم صنع الله في الكون…