يوم أطلق “عائد” اسم “صارم” على وليده الأوّل، ظنّ البعض أنّه تيمنّا بالسيف رفيق العرب الأبديّ، ولم يكن الأمر كذلك فليس كلّ صارمٍ سيفًا، ولذا فإنّ عائد كان يكتفي حين يُسأل عن هذا الاختيار بالابتسام ليس فقط لأنّ سيف العرب أكلته الثُلمة وشربت عليه، فيومها لم تكن السيوف بشاغلته لا بمضائها ولا بثُلمتها. كلّ ما تمنّاه لوليده البقاء كي لا يضيع حلمه في البقاء كما ضاع حلم الجدّ في العودة.
ضاع حلم الجدّ يوم وقف صارم مغبرّ الوجه، ومن تحت غرّته الطفوليّة خطّ أحمر، مغبّر هو الآخر، نازع حاجبه الأيمن فالتفّ حوله نازلاً نحو وجنته ال-ضاعت حمرتها وقد تشوّهت “دِلتاه” بفعل فاعل، وقف ينظر إلى زهرة خبيزة بين ركام تناجي الفضاء ببتلاتها الخمس النهديّة الرمادية الخطوط، تراقصها وريقات خضراء ناعمة لم تأخذ بعد شكلها النهائيّ مبتهجة بالزهرة الحاملة الجيل الجديد، بعد أن كانت قبلًا قدّمت أمّهما نفسها إيثارًا مراهنِة على ضياع جيل، لكن ها جيلها الجديد يتأوّد نحو الشمس بعد عناء مخاضيّ قاس.
انفرجت أسارير صارم، فاقترب مادّا أصابعه الغضّة المغبرّة وقد وجد ما يرمِّقُه. أسَرَ اللون النهديّ الناعم ناظريه، فانحنى يداعبه بأنفه الصغير ويده منفرجة حول الوريقات الخضراء. امتلأت رئتاه بأريج هذا اللون النهديّ الأخّاذ. انتصب وقفل، فجاءه صوتٌ من خلف ظهره.
- عُد!
التفت. لم يرَ وراءه إلا ركامًا كان طيبُ الأريج غيّبه عنه قبلًا. لم يجهد ليعرف إن كان فعلًا سمع صوتًا أو ليعرف مصدر الصوت، أو تهيّأ له. تابع خطواتِه المتحكّمةَ باتّجاهاته إلى لا مكان وراء أنين بطن أرهقه، ولم يكد.
- عُد وخذني… سُدَّ بي بعض الأنين!
- …
عاد صارم قرفص أمام الطِّلق الحامل البتلات النهديّة المخطّطة والوريقات الخضراء الناعمة. طوّقها بكفيّ يديه بحنان وانحنى يقبّلها، وحين شبع تقبيلًا غادر.