الأمل المفقود والواقع المنشود – طه دخل الله عبد الرحمن

الفاشل في التخطيط من يعيش ليحقق هدفاً واحدًا -لا أدري قرأتها أم سمعتها أم أتت هكذا من وحي خاطري-.. فلكل مساحة هدف أو عدة أهداف، ففي المنزل لك أهداف قريبة وأخرى بعيدة، وفي العمل كذلك، وفي العائلة أيضا، وعلى البساط الاجتماعي تشيخ قمم الأهداف. فكلما ارتفع سقف الأهداف، كلما علت النفس في سموها.. علينا أن نعي ذلك جيداً.
ومن ذلك أملي.. شتات يلتئم، محبة تتضاعف، عداوة تنتهي، نقاء ينمو، تواصل يدوم، وتقاطع ينقطع.. صحبة خالية من الشوائب ” وهذا مُحال ” في ظل ما أبرق لعقلي ولمح لخاطري قول صديق الأدب الأثير في الزمن البعيد، بشار بن برد عن بعض الأصدقاء متقلبي المزاج الذين لا يجدر بنا تصنيفهم كذلك في البيتين الأولين التي سأوردها تالياً، من قصيدته التي مطلعها: جفا ودهُ فازور أو مل صاحبهُ.. يقول:
إِذَا كان ذَوَّاقاً أخُوكَ منَ الْهَوَى … مُوَجَّهَة ً في كلِّ أوْب رَكَائبُهْ
فَخَلّ لَهُ وَجْهَ الْفِرَاق وَلاَ تَكُنْ … مَطِيَّة َرَحَّالٍ كَثيرٍ مَذاهبُهْ

وهنا.. التبيان لماهية العلاقة المنطقية والعقلية لمد وجزر الصداقة الحقيقية التي يغلفها التغاضي وحسن الظن والوفاء:
أخوك الذي إن ربتهُ قال إنما … أربت وإن عاتبته لان جانبه
إذا كنت في كل الأمور معاتباً … صَديقَكَ لَمْ تَلْقَ الذي لاَ تُعَاتبُهْ
فعش واحدا أو صل أخاك فإنه … مقارف ذَنْبٍ مَرَّة ً وَمُجَانِبُهْ
إِذَا أنْتَ لَمْ تشْربْ مِراراً علَى الْقذى … ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
فالأمل هو ذلك الباعث الذي يجعل لحياتنا معنى وهدف تسعى لتحقيقه، في سبيل الوصول للسعادة. وقد جاء في بعض كتب التراث بما يتوافق مع الرجاء وهو مصطلح مشترك بين كثير من الثقافات والديانات. وهناك فرق بين الرجاء والتمّنّي كما قيل: أنّ التّمنّي يصاحبه الكسل، أما الرجاء فهو مع البذل والعمل.
وواقعي.. يستحيل فيه مثل ذلك، فالحياة مزيج وخليط من هذا وذاك وتلك، وكل صنف فيه الموافق والمطابق والمضاد والشاذ والمتقاطع والمتحد معه.
ويعرّف الواقع في علم الفلسفة على أنه حالة الأشياء كما هي موجودة. والقارئ يجد تأثير دلالة الفعل الثلاثي على معنى المصطلح: وقع / يقع / وقوعاً. مثل: “وقائع الدهر” على سبيل المجاز.
فيما منطقي يتصادم نظريا مع التطبيق، فلا التطبيع ينفع ولا الطبع يفيد دائماً، كل قوانين وأعراف الحياة الواقعية لا تنسجم معًا لتسيير ركب الأمل المنشود، فمهما سارت حياتنا بمعيار قانوي أو محك اختباري إلا كان له خارق من جنسه.
أو لسبب آخر أياً كان، مزاجي أو نفسي أو غيرهما.. يجنح بالمخالفة ويُعيدنا لدائرة “تضارب المنطق والواقع” من جديد.

هنا أذكر.. تصادم المنطق مع الواقع ليس بجديد، ولا المسايرة دائمة المسير، فإن نجحت حيناً لن تنجح كل حين، ولا سن قانون فرد أو جماعة يقيّد الجميع، وإنما أحياناً يزيد الفِرق والفرقة في الألفة والتقاء القلوب في الدروب.  لذا جدير بالإشارة لمعنى المنطق في اللغة اليونانية القديمة يعني: العقل أو الحكمة.
ويعتبر أرسطو أول من كتب عن المنطق باعتباره علماً قائماً بذاته. ومن أشهر تعريفات علم المنطق ما ذكره الجرجاني: المنطق آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر.
عموماً.. فالحياة معترك وسجال وسبيل “يوم لك ويوم عليك”.. لذا وجب للعموم، قبول المختلف والائتلاف مع المخالف كي تشيع السكينة في زوايا الصراع المظلمة.
وحتى نضمن هدوء الخارق الغارق بيننا في ميكانيكية التمزيق، ودعوى هواة إثارة النعرات الرنانة، ما من بد من نشر المعرفة والوعي. عندها سنقول أهلاً بالقانون الذي ينبثق من الأبعاد الجغرافية والثقافية والدينية والتاريخية والنفسية والاجتماعية وتفرعاتها، لتنصف الإنسان “أي إنسان” بعيداً عن شرف خيلاء السلالة البشرية.
متى ما وفِّق مجتمع ما في ذلك، فسيجد مروج الواقع والمنطق تمتد إلى أن تبلغ الأمل “المفقود”، وإن لم تبلغ! فلقد حاول ذلك المجتمع في تأصيل مبدأ مقاربة أصيل.
فالواقع يخبرنا: القوانين لا تنصف العواطف غالباً.. إن المشاعر والعواطف والأحاسيس ليست معادلة رياضية ولا مُركب كيميائي يمكن قياسه.. هي منتهى التعبير الروحي العفوي في صورة القبول أو الرفض في صورته الأوليّة دون مُؤثر خارجي.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*