المحبّة والتعاون في قصّة “رغيف جدّتي”
تقع القصّة في ثلاث وعشرين صفحة، إصدار دار الهدى للطباعة والنشر كريم 2024، رسومات منار نعيرات، تدقيق لغوي د. حسن عثمان.
يبدأ السارد وهو الجدّ في سرد القصّة: “في يوم من أيام الشتاء، اتفقنا أنا وزوجتي أن نعجن ونخبز، صادف أن زارنا حفيدنا ابن السنوات الأربع في اليوم نفسه، فهو يستمتع في قضاء وقته معنا”. ص 3.
ثم يأتي السارد على سرد عمليّة إعداد العجين بالتفصيل، تليها مرحلة الخبز على الخبّازة وتحضير المناقيش، والحفيد فؤاد يساعد جدّته في جميع المراحل.
حين بدأت الأرغفة بالانتفاخ أثناء الخبز، انفعل فؤاد ومدّ يده ليلمس رغيف الخبز، فحرق إصبعه وصرخ من الألم. وضعت له الجدّة مرهما، ووضّحت له كيف يسخن البخار المحصور في داخل الرغيف، فيتمدّد وتتمدّد معه العجينة.
جعلت الكاتبة نهاية قصّتها مفتوحة، وذلك حين قال فؤاد :” أنا أعلم يا جدتي لماذا لم تنتفخ المنقوشة. سألته الجدّة لماذا؟ وانتهت القصة عندما قال فؤاد: لأنّ…
رغيف جدّتي قصّة تربويّة وعلميّة يتعلّم الطفل من خلالها مراحل إعداد رغيف الخبز، بدءا من نخل الطين وتحضير العجين، ثم التقطيع والرقّ والخبيز، وخلال كلّ هذه المراحل، يتعلّم فؤاد من جدّته من خلال أسئلته لها، كيف يصبح الدقيق رغيفا، ولماذا ينتفخ العجين، والفرق بين رغيف الخبز والمنقوشة. كلّ ذلك، بأسلوب سلس قريب من عقل الطفل وإدراكه.
تُعدُّ القصصُ العلميّةُ من الأساليب التربويّة المميّزة، لتبسيط العلوم، ويمكن من خلالها تقديم مادة علميّة مبسّطة، تناسب أعمار الأطفال والشباب، وتنشّط خيالهم، وتستثير إبداعهم. ومن خلال هذه القصص، وما تحتويه من أفكار وحوافز، يمكن تحفيز روح الإبداع والابتكار لدى الأطفال والشباب، وتنمية الخيال العلميّ لديهم.(عبد القادر، 2013)
تزخر القصّة بالقيم التربويّة والتثقيفيّة، فالجدّة تغنّي لحفيدها الأغاني الشعبيّة التراثيّة، مما يرسّخ في نفسيّة الطفل، حبّ التراث والتمسّك به: “يا ربي تشتي وأروح عند ستي تعملي فطيرة قد الحصيرة آكلها وانام وأصبح جوعان…
ولعلّ القيمة الأهمّ في هذه القصّة هي قيمة الحبّ الكبير الذي يربط الجدّة بحفيدها، وهو من خلال هذا الحبّ وقضاء الوقت الممتع معها، يذوّت قيمة التعاون والمساعدة. لقد قامت الكاتبة نادية صالح، بكسر صورة الشخصيّة النمطيّة للولد الذكر الذي بشكل عامّ لا يساعد في الأعمال المنزليّة، وخاصّة تلك المتعلّقة في العجين والخبز وتحضير الطعام؛ لتجعل ربّما من فؤاد نموذجا لما تريده الكاتبة من جيل الشباب الذكور، بأخذ دور أكبر في الأعمال المنزليّة وخاصّة تلك المتعلّقة بالمطبخ.
وقد جعلت الكاتبة من الطفل فؤاد، طفلا مفكّرا: يسأل، يحلّل، ويستنتج، وهذا ما نريده لأطفالنا، فمن الضروريّ إثارة فكرهم وتوجيههم إلى التحليل والاستنتاج. ولعلّ نهاية القصّة المفتوحة دليل على ذلك، فالطفل عليه التفكير والاستنتاج بناء على ما قرأه في القصة:” قال فؤاد: المناقيش لم تنتفخ يا جدّتي..! وأنا أعرف لماذا؟؟ سألته الجدّة لماذا يا عزيزي؟ أجاب فؤاد فورا: لأنّ….(ص 23).
تميّزت لغة الكاتبة بالسلاسة والواقعيّة فهناك الكثير من العبارات من عالم الطفل ومن حياته اليوميّة مثل: كماجة، خبّازة، شوبك. أما السرد فجاء على لسان الراوي الجدّ الذي سرد في بداية القصّة، أنّ فؤاد زارهما في اليوم الذي اتّفق فيه مع زوجته أن يعجنا ويخبزا، لكنّ الجدّ على ما يبدو تنازل عن هذا الدور، فهو لم يشارك في عمليّة العجن والخبز، وحبّذا لو جعلته الكاتبة يفعل ذلك، لتكتمل صورة التعاون الأسريّ وكسر الصورة النمطيّة للرجل الشرقيّ.
التثقيف العلميّ في قصة “وعد وحكايات البرق” للكاتبة نادية صالح
تقع القصّة في ثلاث وعشرين صفحة، رسومات منار نعيرات، تدقيق لغويّ د. حسن عثمان، إصدار دار الهدى للطباعة والنشر كريم(2024).
قصّة وعد وحكايات البرق هي قصّة علميّة، تفسّر ظاهرتيّ تكوّن البرق والرعد بأسلوب سلس. يرى الهيتي أنّ القصّة تشكّل وعاءً لنشر الثقافة بين الأطفال؛ لأنّ من القصص ما يحمل أفكارا ومعلوماتٍ علميّةً وتاريخيّةً وجغرافيّةً وفنيّةً وأدبيّةً ونفسيّةً واجتماعيّةً. فضلا عمّا فيها من أخيلة وتصوّرات ونظرات ودعوة إلى قيم واتجاهات ومواقف وأنماط سلوك أخرى.( الهيتي، نعمان، ثقافة الأطفال، ص 171)..
تساهم قصص الأطفال العلميّة في تنمية مهارات الأطفال، مثل: مهارات التفكير، الاستنتاج، تكوين أسئلة، زيادة الفضول والرغبة في المعرفة والاستكشاف، مما يساعدهم في فهمهم للعالم وللظواهر العلميّة التي تحدث في عالمنا، كما تحفّزهم على الخيال والإبداع.
تبدأ الطفلة وعد بالسرد عن خوفها من ظاهرتيّ البرق والرعد، التي تخافهما؛ فتحكي لها جدّتها حكاية ظاهرتيّ البرق والرعد؛ فتخفّف بذلك من خوف وعد، فتغفو في حضنها الآمن بعد أن تستمع لقصّة الشاطر حسن التي ترويها لها جدّتها. أثناء نومها تحلم وعد بأنّ غيمة رماديّة اللون تخاطبها وتستضيفها بين الغيمات، وتدعوها للاستماع الى قصصها المثيرة والشائقة كقصص جدّتها. وهنا تستلم الغيمة دور السارد حتى نهاية القصّة.
أثناء تحليقها مع الغيمات رأت وعد الشرارات الكهربائيّة للبرق، تلمع في عدّة أماكن يتلوها صوت الرعد. وعندما فزعت هدّأت الغيمة من روعها وبدأت تحكي لها قصّة حدوث ظاهرتيّ البرق والرعد من الناحية العلميّة بطريقة مبسّطة.:” كان يا ما كان في سالف العصر والأوان وما زالت حتى الآن، اختلافات في درجات حرارة الهواء في الجوّ أينما كان. الهواء الحارّ يرتفع عن الأرض وفي داخل الغيمة وفي الجوّ وفي أثناء تسخين الماء لأنّه خفيف فيشكّل الشحنات الموجبة، والهواء البارد ينزل الى أسفل؛ لأنه الأثقل ويشكّل الشحنات السالبة، وعندما تصطدم الشحنات الموجبة والسالبة معا بفعل الأجواء العاصفة التي تحرّكها؛ تنتج شرارة قويّة هذا هو البرق. يُحدث البرقُ اهتزازاتٍ قويّةً جدّا في الهواء فينتج عنها صوت الرعد العالي والهائل”” ص 15) .
خلال سرد الغيمة كانت وعد توجّه الأسئلة للغيمة وتصل في بعض الأحيان الى استنتاجات مثل:” الآن فهمت لماذا يرتفع البالون عاليا؛ لأنّنا نفخناه في الهواء الذي يخرج من أفواهنا ساخنا”.(ص 11). :” لم أكن أعلم أنّ البرق والرعد يحدثان معا”.( ص 15).
كما حكت لها الغيمة عن معتقدات الشعوب حول تكوّن ظاهرتي البرق والرعد، فبعض الشعوب تعتقد أنّ البرق يحدث؛ لأنّ هناك ثورا يركب عربة، يخترق الغيوم وفي يده مطرقة، كلّما طرق بها حدث البرق وسطع. وشعب آخر كان يعتقد أنّ هناك طائرا كلّما رفرف بجناحيه؛ تولّد صوت الرعد، أما البرق فهو الريش اللامع لهذا الطير، وهناك من يعتقد أنّ البرق حدث مقدّس يرتبط بالآلهة لتخويف أعدائهم والانتقام منهم. (ص19 ).
:” إنّ المعرفة الصحيحةـ والمعلومات الصائبة أراحتاني كثيرا”. )ص 20).
:” لقد ظننت أنّ البرق والرعد يحدثان فقط عند اصطدام غيمتين ببعضهما، وتبيّن أنّه كذلك يحدث عند تلاقي الشحنات داخل الغيمة الواحدة وفي الجوّ وقريبا من الأرض”.(ص 20).
تنتهي القصّة بالتقاط وعد صورة لها وللغيمة من هاتفها الخلويّ. وهذا جميل، فالهاتف الخلويّ أصبح جزءا لا يتجزّأ من عالم الطفل.
في قصّة وعد وحكايات البرق، نجد أيضا العلاقة الوطيدة بين الحفيدة وجدّتها، فالجدّة هي الحضن الآمن:” ” غفوت بحضن جدتي الآمن وهي تقصّ علينا قصّة الشاطر حسن”.( ص3).
كما نجد أنّ الكاتبة في هذه القصّة أيضا تسلّط الضوء على أهميّة توجيه الأسئلة لفهم موضوع ما، فالأسئلة هي مفتاح المعرفة، كما تولي أهميّة لاستنتاجات الطفلة وعدـ وهي بذلك تشير إلى أهميّة التفكير والوصول الى استنتاجات.
ورغم تبسيط الظاهرة العلميّة لتكوّن البرق والرعد إلّا أنّني أرى صعوبة في فهم الأطفال لهاتين الظاهرتين، ولعلّ درجة الصعوبة، تتعلّق في الجيل الذي يقرأ هذه القصّة أو تُقرأ له، خاصّة أنّ الكاتبة لم تحدّد الفئة العمرية للقصّة، وحبّذا لو فعلت ذلك في القصّتين.
فمصطلح شحنة موجبة وشحنة سالبة ليس مصطلحا بسيطا، وقد يتساءل بعض الأطفال ما دور الأجواء العاصفة في عمليّة اصطدام الشحنات الموجبة والسالبة؟ كيف ومتى يحدث ذلك؟ وما الى ذلك من الأسئلة. كذلك مصطلح موجة كهربائيّة جاء في القصّة:” البرق هو موجات كهربائيّة هو سبب وجود الكهرباء والشاشات التي تعلّقتم بها أنتم الصغار على جميع أنواعها”. (ص 12). هذا المصطلح لم يتمّ توضيحه بالرغم من المثل الذي جاءت به الكاتبة عن علاقة الموجات الكهربائيّة بالشاشات. وهنا قد يتساءل بعض الأطفال: ما هي العلاقة بين الموجات الكهربائيّة والشاشات؟ كيف تتكوّن الكهرباء؟
وقد ذكرت الكاتبة على لسان الساردة الغيمة، حكايات غريبة آمنت بها بعض الشعوب، عن سبب تكوّن ظاهرتيّ البرق والرعد، وأعتقد أنّ هذه القصص قد تخيف الأطفال، خاصّة إذا قرئت القصّة للأطفال دون سنّ السادسة.
إنّ هذه التجربة في تفسير ظاهرتيّ البرق والرعد، هي تجربة مهمّة مع الاهتمام باختيار المصطلحات المناسبة للفئة العمريّة لقارئي القصّة.
يمكن القول إذن، إنّ القصتين رغيف جدّتي و وعد وحكايات البرق، قصّتان علميّتان، رغيف جدّتي تفسّر عمليّة إعداد رغيف الخبز، وقصة وعد وحكايات البرق تفسّر ظاهرتيّ البرق والرعد، بأسلوب علميّ سلس. القصّتان تعزّزان التفكير لدى الأطفال، وتحثّهم على طرح الأسئلة بهدف المعرفة، كما أنّهما تمثّلان نموذجا للعلاقات الوطيدة بين الأجداد والأحفاد، ودور الأجداد في توعية أحفادهم وتثقيفهم، وسرد القصص لهم، وترسيخ التراث والقيم في نفوسهم، وحثّهم على توجيه الأسئلة والاستفسار، واستخلاص العبر والنتائج، الأمر الذي يشعر الطفل بالفرح والأمان والثقة بالنفس.
ألف مبارك للكاتبة نادية صالح، وأطيب أمنياتي لها بدوام الإبداع الجميل.
المراجع:
عبد القادر، أحمد المهندس، (2013) مجلة الرياض الالكترونيّة، عدد، 16510. https://www.alriyadh.com
الهيتي، نعمان، 1988، ثقافة الأطفال، سلسلة عالم المعرفة، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ط،2.