كان حبّ خولة نوفل مولودًا، هكذا أحسّت يوم بدأت تدرك معنى دقّات قلبها كلّما رأت زهرة أو قطفت ثمرة أو لمّت حبّة زيتون، أو حطّ على شبّاكها دوريّ، أو كلّما بلّلتها ديمة شتويّة أو بعثت الدفء في أوصالها شمس آذاريّة أو سامرها قمر نيسانيّ.
رأت نوفل في تويجات الزهرة وأريجها وفي رونق الثمرة وحلاوتها وفي سواد حبّات الزيتون ومرارتها. رأته على جناحيّ الدوريّ وفي قطرات المطر وفي نور القمر وفي افتراش وهج الشمس غيمات الشفق وخصلات شعرها قبل أن يضمّها الغسق.
حين كانت تقف أمام المرآة، كانت تراه في شعرها الأسود الداكن الحاضن وجهها الثلجيّ، كانت تراه في بحر عينيها العسليّتين، تراه في وجنتيها الورديّتين. كانت تحسّه في جيدها وصدرها وفي كلّ شاردة في أنحاء جسدها الغضّ.
هامت به، في هدوئه وهياجه، في سكونه وثورته.
لم تغَرْ حين نازعها حبّه كُثر، بل أحبّت الحبّ الذي أحبّوه.
أحبّها نوفل مثل حبّها وأكثر رغم الحراب التي كانت انغرست عميقّا في جراحه، ولم تفارقها مرّة، وقبل أن تدرك خولة كنه الحبّ. إن كانت تحزن كان حزنها وعزاءها، وإن كانت تفرح كان فرحها وصفاءها، وإن كانت تتألّم كان ألمها وشفاءها، وإن كانت تبكي كان منديلها.
كانت وإيّاه على عهد ووعد وإن كانا يتباعدان كلّما لاح في الأفق ضوء، لكن ظلّا عهدًا ووعدًا.
كانت كلّما أثخنته الجراح حملت قارورتها الخزفيّة الكنعانيّة* تمسّد الجراح فتطيب.
وكان يوم استوحشت الحراب تفقأ جراحه التي ما اندملت مرّة، وراح يترنّح. لم تقو هذه المرّة على تمسيد جراحه وقد سدّ حملة الحراب عليها كلّ السبل، فانكسرت قارورتها الكنعانيّة في الطريق.
*كانت الكنعانيّات تملأن قوارير خزفيّة بدموعهّن مع الميْت.