حلمنا الحيّ في وجداننا جوادًا أصيلًا يكاد يغرق! وينتظر يدًا من خلال الموج تمتدّ نحوه.. حلمنا الذي شبّ كريم النفس معافاها يسقُم يومًا بعد يوم، لكنه يرفض التداوي بشاة بلا قلب.. ويأبى استجداء الدواء ممّن يفرح بدائه. على الشاطيء بلبلة تشي به يستغيث بقارب وشراع. ويستنفر السبّاحون والغوّاصون، كمن لا حول له ولا قوة!
يعرض الدكتور محمود أبو فنة في مقاله: كيف يقبل الطلاب على المدارس والتعلم بشوق ومتعة….. يعرض وجهة نظر لإصلاح الأعطال الحائلة دون اندماج الناشئة في مشروع تحقيق النهضة المرجوّة، مستندًا لنظريات مدروسة، موثّقة ومعمّمة، والأصل فيها موصول، منطقيًّا بالمناخات الملائمة، أو القابلة لإنماء حدائق المعرفة، بما فيها الثقافة المجتمعيّة… (علمًا أنّ حلقنا ترابيّ نباتيّ لم يتعوّد بعد على ابتلاع الموادّ الصلبة)! فهل يكون بعض السبب في النقلة النوعيّة، أو القفزة الفجائيّة؟؟
ويتطرّق الدكتور لمناخ واقعنا من بابيه: المحسوب نظريًّا علميًّا تقنيًّا، والمحسوس ثقافيًّا فنيًّا. وفي الأول سَلسلة وافية للّوازم الماديّة الواجب توفيرها في المدارس، (بحيث لا تكون النقلة صادمة لأولادنا المتخمين.. المنعمين في بيوتهم)! وعليه، يكون توفير لبن العصافير أسهل من توفير الدواء لحلمنا المتوعّك. فإن أردنا أن نطاع كان علينا طلب المستطاع (عمليًّا)!
أما بعد، فقد قال أمير الشعراء: الأُمّ مدرسة.. ونضيف: والبيت معهد أول؛ بين أركانه تتبلور نوى الهوية الشخصيّة، ومنه ينطلق وعي الذات بالذات، وينتشر وعيًا بباقي الذوات الموحّدة بهوية الجماعة. البيت أول آلات طباعة البصمة الجمعية، وإبراز خطوطها العريضة.
البيت دفيئة الذكاء العاطفيّ، مغذّي الذائقة الفنيّة، راوي القدرات الذهنيّة وموجّه أشرعتها.. البيت حقل فيه تُغرس الشخصيّة بالقيَم الأخلاقيّة والمُثل الإنسانية العليا، ومنها: الحقّ والعدل والمساواة. فإذا كان هذا الثالوث في البيت مترنّحًا، فلا نتوقّع من المؤسسة النموذجية تقويمه.
البيت حاضنة شرانق الإبداع وزارع أحواض النفس بالجمال على اختلاف مظاهره وأطيافه.. البيت مختبر التنقيب والتحليل والربط والاستنتاج. فلا شيء من عوامل ازدهار الأُمم ينزل عليها بالمظلات، أو يأتيها على شكل هبات أو قروض.. ولا شيء يصقل شخصيتها كما النقد الذاتيّ الدائم، والسعي المتواصل، مع تسخير الأنا لخدمة ال- نحن. فالوصول إلى القمم يبدأ من القاعدة.
نحن نتمنى. نستغفل الواقع ونحلم. لكنّ حلمنا الجامع العنيد غالبًا ما يشطّ بنا بعيدًا عن أرض الواقع، ليعود ويفرّقنا عند عرض وسائل إنعاشه.
وبغضّ النظر عن نقص المكملات المتمثلة بالمكان/ المدرسة ولبوسها العصريّ وتأثيثها بالمعدّات التقنيّة المتلائمة مع الحداثة العلمية، والتي باتت من الضروريات، فإنّ هذا لا يعفينا من واجب التحقيق العلميّ العميق في ملفّ الموظف/ة المنسوخ/ة مدرّسًا/ة، يُفترض أن يكون المعلّم/ة المرُفّع حتى “ليكاد أن يكون رسولا” يؤمل منه أن يترك في نفوس المتلقّين علامات مضيئة عاطفيًّا إنسانيًّا وفكريًّا سلوكيًّا، ضمانة لشحنهم بالطاقة الإيجابيّة الكفيلة بإيقاظ رغبتهم بالتعلّم، فيما إذا كانت منوّمة، أو خاملة لأسباب قهريّة. (وهي كذلك). ولعلّ النفور المقلق بين المدرّس والتلميذ يكون أحد ألدّ أعداء الرغبة بالنهوض.. فسيان راعي الصفّ المتوفّر لدينا، وذاك الذي يسوق قطيعه بالحجارة والعصا لأنّه يجهل العزف على الناي عزف الراعي الحنون. ويطفو السؤال: مَن يعدّ هذا الراعي؟ نتمنى ونطلب، مقتنعين أنّ آفة الطالب أن يضجر. وفي حال توفّر الراعي الصالح نضمن الوصول الآمن إلى السفوح. ولا يبقى علينا سوى النظر في المتساقطات على مدارسنا من مناهج وأساليب وأدوات مكمّلة.
مدارسنا مدارسنا.. مدارسنا الواقعة بين حانا ثقافتنا العميقة ومانا ثقافة الاستهلاك تتهالك! ولا سبيل لإنقاذها إلّا باثنين: ضمير واعٍ خطورة التحرّر من المسؤولية بالدلّ على قصور أُمّ الوزارات، وأُمّ الصبي الواعية خطورة شطر عواطفه الروحيّة الخاصة عن عواطفه الاجتماعيّة العامّة.
أما اليوغا، وهي غنية عن التعريف، فتنطلق من الطبيعة لتبني عليها مدرسة فلسفيّة تعتمد الحكمة” الجسم السليم في العقل السليم” خلافًا لمن يقدّمون الجسم على العقل..
من الباب المحاذي يدخل الدكتور أبو فنة حقل المناهج، وهو المدخل الآيل إلى مكتب مسح خارطة المناهج العلميّة الجديدة، مارًّا مرورًا سريعًا ببيت القصيد الجامع بين رؤانا الخاصّة والمسار العلميّ العامّ.. ويتساءل الجاهل كواليس ترسيم المناهج إن كان موظفونا هناك يُستغبَون أو يُستغابون!! أو يبرّروا لنا ارتضاءهم لأبنائنا انتعال الحذاء المستعار، على الرغم من قساوة نعله وتفكّكه، وارتداءهم الثوب المستعار، على الرغم من خشونة ملمسه وترقيعه. أوليس من حقنا الاطّلاع على بعض تفاصيل ما يجري هناك؟ فبين المعروض على موائد مدارسنا حشف كثير فاض عن الحاجة لتحديث الأساليب.. ممّا ألحق بالموادّ المقروءة أضرارًا واضحة، خاصة وأنها من بنات المناهج المنفلشة في كلّ اتّجاه انفلاشًا غير منطقيّ، فيه ما يكفي لبعثرة الأفكار المركزيّة بعيدًا عن أهدافها. ضمن هذه الحلقة يجب العمل على ضبط سلوك المناهج المتفلّتة، والتي تساهِم كلّ المساهمة بالتشتّت الذهنيّ، وهو أحد العوامل المباشرة للشطح بعيدًا عن أجواء التعلّم-. فمن المخوَّل الذي يأخذ على عاتقه نبش هذا الوكر؟ مَن يُقوّم هذا المسار المحوريّ؟
لكن، وبعيدًا عمّا يدخل من باب المؤسسة الأفلاطونيّة، يبقى باب البيت مفتوحًا على مصراعيه لأسئلة مباشرة تبدأ بِ “كيف”، ولا تنتهي مع استكمال كلّ أسماء الاستفهام، وقوفًا عند “مَن” يتحمّل مسؤوليّته ويطالب برفع يد الوصاية الخانقة عن تراثنا المعرفيّ؟ فقد قيل: لا يضيع حقّ خلفه مُطالب! تابع … حلمٌ على المِحَكّ
عفيفة مخول خميسة – معليا
حلمنا الحيّ في وجداننا جوادًا أصيلًا يكاد يغرق! وينتظر يدًا من خلال الموج تمتدّ نحوه.. حلمنا الذي شبّ كريم النفس معافاها يسقُم يومًا بعد يوم، لكنه يرفض التداوي بشاة بلا قلب.. ويأبى استجداء الدواء ممّن يفرح بدائه. على الشاطيء بلبلة تشي به يستغيث بقارب وشراع. ويستنفر السبّاحون والغوّاصون، كمن لا حول له ولا قوة!
يعرض الدكتور محمود أبو فنة في مقاله: كيف يقبل الطلاب على المدارس والتعلم بشوق ومتعة….. يعرض وجهة نظر لإصلاح الأعطال الحائلة دون اندماج الناشئة في مشروع تحقيق النهضة المرجوّة، مستندًا لنظريات مدروسة، موثّقة ومعمّمة، والأصل فيها موصول، منطقيًّا بالمناخات الملائمة، أو القابلة لإنماء حدائق المعرفة، بما فيها الثقافة المجتمعيّة… (علمًا أنّ حلقنا ترابيّ نباتيّ لم يتعوّد بعد على ابتلاع الموادّ الصلبة)! فهل يكون بعض السبب في النقلة النوعيّة، أو القفزة الفجائيّة؟؟
ويتطرّق الدكتور لمناخ واقعنا من بابيه: المحسوب نظريًّا علميًّا تقنيًّا، والمحسوس ثقافيًّا فنيًّا. وفي الأول سَلسلة وافية للّوازم الماديّة الواجب توفيرها في المدارس، (بحيث لا تكون النقلة صادمة لأولادنا المتخمين.. المنعمين في بيوتهم)! وعليه، يكون توفير لبن العصافير أسهل من توفير الدواء لحلمنا المتوعّك. فإن أردنا أن نطاع كان علينا طلب المستطاع (عمليًّا)!
أما بعد، فقد قال أمير الشعراء: الأُمّ مدرسة.. ونضيف: والبيت معهد أول؛ بين أركانه تتبلور نوى الهوية الشخصيّة، ومنه ينطلق وعي الذات بالذات، وينتشر وعيًا بباقي الذوات الموحّدة بهوية الجماعة. البيت أول آلات طباعة البصمة الجمعية، وإبراز خطوطها العريضة.
البيت دفيئة الذكاء العاطفيّ، مغذّي الذائقة الفنيّة، راوي القدرات الذهنيّة وموجّه أشرعتها.. البيت حقل فيه تُغرس الشخصيّة بالقيَم الأخلاقيّة والمُثل الإنسانية العليا، ومنها: الحقّ والعدل والمساواة. فإذا كان هذا الثالوث في البيت مترنّحًا، فلا نتوقّع من المؤسسة النموذجية تقويمه.
البيت حاضنة شرانق الإبداع وزارع أحواض النفس بالجمال على اختلاف مظاهره وأطيافه.. البيت مختبر التنقيب والتحليل والربط والاستنتاج. فلا شيء من عوامل ازدهار الأُمم ينزل عليها بالمظلات، أو يأتيها على شكل هبات أو قروض.. ولا شيء يصقل شخصيتها كما النقد الذاتيّ الدائم، والسعي المتواصل، مع تسخير الأنا لخدمة ال- نحن. فالوصول إلى القمم يبدأ من القاعدة.
نحن نتمنى. نستغفل الواقع ونحلم. لكنّ حلمنا الجامع العنيد غالبًا ما يشطّ بنا بعيدًا عن أرض الواقع، ليعود ويفرّقنا عند عرض وسائل إنعاشه.
وبغضّ النظر عن نقص المكملات المتمثلة بالمكان/ المدرسة ولبوسها العصريّ وتأثيثها بالمعدّات التقنيّة المتلائمة مع الحداثة العلمية، والتي باتت من الضروريات، فإنّ هذا لا يعفينا من واجب التحقيق العلميّ العميق في ملفّ الموظف/ة المنسوخ/ة مدرّسًا/ة، يُفترض أن يكون المعلّم/ة المرُفّع حتى “ليكاد أن يكون رسولا” يؤمل منه أن يترك في نفوس المتلقّين علامات مضيئة عاطفيًّا إنسانيًّا وفكريًّا سلوكيًّا، ضمانة لشحنهم بالطاقة الإيجابيّة الكفيلة بإيقاظ رغبتهم بالتعلّم، فيما إذا كانت منوّمة، أو خاملة لأسباب قهريّة. (وهي كذلك). ولعلّ النفور المقلق بين المدرّس والتلميذ يكون أحد ألدّ أعداء الرغبة بالنهوض.. فسيان راعي الصفّ المتوفّر لدينا، وذاك الذي يسوق قطيعه بالحجارة والعصا لأنّه يجهل العزف على الناي عزف الراعي الحنون. ويطفو السؤال: مَن يعدّ هذا الراعي؟ نتمنى ونطلب، مقتنعين أنّ آفة الطالب أن يضجر. وفي حال توفّر الراعي الصالح نضمن الوصول الآمن إلى السفوح. ولا يبقى علينا سوى النظر في المتساقطات على مدارسنا من مناهج وأساليب وأدوات مكمّلة.
مدارسنا مدارسنا.. مدارسنا الواقعة بين حانا ثقافتنا العميقة ومانا ثقافة الاستهلاك تتهالك! ولا سبيل لإنقاذها إلّا باثنين: ضمير واعٍ خطورة التحرّر من المسؤولية بالدلّ على قصور أُمّ الوزارات، وأُمّ الصبي الواعية خطورة شطر عواطفه الروحيّة الخاصة عن عواطفه الاجتماعيّة العامّة.
أما اليوغا، وهي غنية عن التعريف، فتنطلق من الطبيعة لتبني عليها مدرسة فلسفيّة تعتمد الحكمة” الجسم السليم في العقل السليم” خلافًا لمن يقدّمون الجسم على العقل..
من الباب المحاذي يدخل الدكتور أبو فنة حقل المناهج، وهو المدخل الآيل إلى مكتب مسح خارطة المناهج العلميّة الجديدة، مارًّا مرورًا سريعًا ببيت القصيد الجامع بين رؤانا الخاصّة والمسار العلميّ العامّ.. ويتساءل الجاهل كواليس ترسيم المناهج إن كان موظفونا هناك يُستغبَون أو يُستغابون!! أو يبرّروا لنا ارتضاءهم لأبنائنا انتعال الحذاء المستعار، على الرغم من قساوة نعله وتفكّكه، وارتداءهم الثوب المستعار، على الرغم من خشونة ملمسه وترقيعه. أوليس من حقنا الاطّلاع على بعض تفاصيل ما يجري هناك؟ فبين المعروض على موائد مدارسنا حشف كثير فاض عن الحاجة لتحديث الأساليب.. ممّا ألحق بالموادّ المقروءة أضرارًا واضحة، خاصة وأنها من بنات المناهج المنفلشة في كلّ اتّجاه انفلاشًا غير منطقيّ، فيه ما يكفي لبعثرة الأفكار المركزيّة بعيدًا عن أهدافها. ضمن هذه الحلقة يجب العمل على ضبط سلوك المناهج المتفلّتة، والتي تساهِم كلّ المساهمة بالتشتّت الذهنيّ، وهو أحد العوامل المباشرة للشطح بعيدًا عن أجواء التعلّم-. فمن المخوَّل الذي يأخذ على عاتقه نبش هذا الوكر؟ مَن يُقوّم هذا المسار المحوريّ؟
لكن، وبعيدًا عمّا يدخل من باب المؤسسة الأفلاطونيّة، يبقى باب البيت مفتوحًا على مصراعيه لأسئلة مباشرة تبدأ بِ “كيف”، ولا تنتهي مع استكمال كلّ أسماء الاستفهام، وقوفًا عند “مَن” يتحمّل مسؤوليّته ويطالب برفع يد الوصاية الخانقة عن تراثنا المعرفيّ؟ فقد قيل: لا يضيع حقّ خلفه مُطالب!