كوكتيل ثقافي للأديب فتحي فوراني كتاب ممتع وحامل رسالة – كميل شقور

عتبة الكتاب:

يتكون الكتاب من 325 صفحة من الحجم الكبير.

الغلاف الافتتاحي: يغلب عليه اللون الأسود اسم الكتاب وكأس الكوكتيل الشفاف بألوان خمرية متنوعة. عبقها ورذاذها يملآن الفضاء. الكأس الشفافة تُبرز شفافية الكاتب وصفاء روحه وطغيانها على الأجواء المحيطة به بطيبتها، لذلك فاسمه كتب باللون الأبيض المضيء الذي يشق طريقه عبر الظلام الحالك. أما الغلاف الخلفي فيبرز سيرة حياة المؤلف الصفدي الجذور حيفاوي المولد النصراوي البلوغ والتربية والثقافة التي زُيِّنت بمكاسبه الحيفاوية. ومن المفروغ منه أن صورة المؤلف تزين الغلاف وتبهر القارئ بذلك الحضور اللامع. وأُلخِص بالقول إن صورة الغلاف تكشف للقارئ محتويات الكتاب وطعمها اللذيذ قبل القراءة فتشده إليها.

محتويات الكتاب:

1. لقاءات مع زملاء من الزمن الجميل، مع شخصيات أصبحت اليوم قامات اجتماعية وعلمية في إسرائيل وخارجها. ومع معلميه في ذلك الزمن وهم قامات اجتماعية شامخة عملوا جاهدين لغرس محبة اللغة العربية بقلوب طلابهم.

2. عرض رسائل وصلته من طلاب تخرجوا من معطفه في الكلية الأرثوذكسية العربية وكلية أورانيم.

3. كذلك سرد عدة لقاءات مع زملائه في التدريس في الكلية الأرثوذكسية، الأمر الذي ترك لديه أطيب الأثر. ورفع منسوب عطائهم للطلاب وكل في مجاله. لم ينس المؤلف زملاءه المعلمين المميزين بعلومهم ومواهبهم، فذكرهم بقسط جيد في كتابه كالأستاذ مارون قعبور معلم الرياضيات القدير، الذي تحول من بنّاء الحجر الى بنّاء البشر إلى جانب موهبته في الرسم. هذا بالإضافة الى موهبة الكتابة، فأصدر كتاب “التطويبة المفقودة” إضافة إلى كونه معلمًا لموضوع الرياضيات.  كذلك الأستاذ إميل العبد المثقف الذي سار على حسب القول: خير جليس في الزمان كتاب، فكان ذلك الإنسان الملمّ القدير الغارس الوطنية في وجدان طلابه.

4. قطف المؤلف من بساتين متخرجيه باقات من الزهور العابقة التي تلمع في الأفق الفلسطيني، كوكبة اختارها من كل الأطياف، ليقول للقارئ: المعلم يعلم الجميع والجميع أبناؤه خلال التعليم وإخوانه بعد التخريج. وقد اختار من الأسماء من أصبحوا معلمين وأطباء ورجال أعمال ومديري مستشفيات. ويذكر أحد خرّيجيه الذي يُشغل منصب مدير أجواء الطيران في سويسرا، ثم إن إحدى طالباته عضوة برلمان في بريطانيا إلى جانب عملها في الطب العام.

5. سرد المؤلف بعض الطرائف، مثل طرفة الدكتور العالمي ضياء كمال الدين وبائع الجرائد، حيث يظهر المؤلف إيمانه بمكانة المعلم المرموقة، وكأني به يدعو إلى حفظ مكانة المعلم وإجلاله طول عمره وأكثر.

الأسلوب:

أسلوب الكاتب سردي وهو أسلوبه في الحديث، حيث يشعر القارئ أن الأستاذ فتحي هنا بجانبه يحدثه ويهمس في أُذُنه.

فقد استعمل تعابيره الشهيرة خلال سرده مثل استعماله: في أرض الآباء والأجداد، مرت كرمشة عين، مدينة البشارة، بوصلة نهتدي بها، وغيرها الكثير من التعابير والكلمات المشهود له باستعمالها واستغلال طيبتها.

كذلك يستغل الكاتب رسائل المذكورين أو كلماتهم خلال حفلات تكريمه في المناسبات المختلفة، ليعرض بعضًا من المواقف والذكريات الجميلة، من خلالها تبرز سماته المميزة ونجوميته الفائقة في التعليم والتي تميزه عن باقي المعلمين والمربين: كهدوئه وابتسامته وصبره مع إصراره على العطاء وإشراك الطالب في عملية التعليم وبناء الذات.

لم يتقيد المؤلف بتعليم المنهاج المقرر فقط، بل علم أكثر بكثير، موزعًا القصص على الطلاب للقراءة الأسبوعية وتبادلها كل أسبوع على حسابه الخاص لسد الحاجة لمن ليس بمقدوره شراء القصص، كل هذا ليكشف للطالب ميزات اللغة العربية السباقة بين لغات العالم، مستندًا بهذا على المستشرق الفرنسي أندريه رومان الذي قال في إحدى محاضراته في المغرب، “إن من الإنصاف العلمي أن أقول في بداية محاضرتي إن اللغة العربية من أعظم اللغات في العالم، لما امتازت به من ثراءٍ واسعٍ وتنوُعٍ رائعٍ ومرونة كبيرة ومبادئ تطويرية عظيمة وقواعد علمية متقنة والى غير ذلك من الخصائص والمميزات التي تجعل اللغة العربية في مقدمة اللغات العالمية، بل أعظمها على الإطلاق، ولا أقول لكم هذا بدافع المجاملة وإنما هي الحقيقة المجردة. وقد كتب لهذه اللغة الخلود والانتشار بفضل القرآن الكريم، إذ أصبحت لغة الدين”.

كذلك فقد دعم المؤلف إيمانه وعشقه للغة العربية بناءً على ما قاله المفكر الفلسطيني البروفيسور إدوارد سعيد “اللغة العربية في رأيي إحدى أعظم إنتاجات العقل البشري. إنها لغة الشعر والروحانيات واللاهوت ولغة القانون ولغة الفكاهة الاستثنائية ولغة الرواية حيث إنها تحتوي على أعظم مآثر السرد مثل ألف ليلة وليلة ورحلات ابن بطوطة، كما أنها لغة إحدى أعظم الديانات، فالقرآن كلام الله نزل باللغة العربية”.

لقد نجح الأستاذ فتحي في نقل الرسالة إلى الأجيال، فغرس عشق اللغة العربية في قلوب وأذهان معظم طلابه وقارئيه. لكنه جهوده لم تتوقف حتى بعد أن زارته “بنت الكلب”، فهو ما زال يحاضر ويكتب وينشر وعينه على كل ما يجري حوله بالنسبة للغة العربية. فينتقد الإسهال في الشعر والتشويه في اللغة العربية، خاصة الترجمة الحرفية لأسماء الأمكنة والشوارع ولحوادث نُشِرت مترجمة مثل: “صدام جبهوي” التي ترجمت عن العبرية התנגשות חזיתית בין שתי מכוניות، و”انقلاب عسكري” נפילת חייל، وأمثلة أخرى.

يحتوي الكتاب أيضًا على كلمة الأستاذ علي رافع التي يرثي بها المرحومة وفاء فوراني أخت المؤلف وسكرتيرة الأستاذ علي التي توفيت  في عمر مبكر والتي أثرت كثيرًا على الكاتب والأديب فتحي فوراني، فجفّ مداده لفترة ليست بالقصيرة، وهنا يظهر حبه ومشاعره الصادقة تجاه أمينة السر الوفيّة، خاصة وأنه الوحيد الذي كان يعرف الحقيقة الطبية التي أخفاها عن والديه وباقي العائلة لكي يخفف عنهم وطأه مرضها، وهو بذلك حمل نفسه فوق طاقتها.

لقد عبر الكاتب عن وطنيته بدون شعارات رنانة وبدون كلمات لامعة بل استعمل حقيقة الشعب الفلسطيني الذي يفتخر به ويعتز بانتمائه له، والتعبير عن هذه الوطنية الحقيقية يأتي بواسطة اقتباس الكاتب لمقال نُشرَ في صحيفة السفير اللبنانية تحت عنوان “الفلسطينيون جوهرة الشرق الأوسط” لكاتبه طلال سلمان. وفي هذا المقال يعدد مجالات التأثير الفلسطيني الإيجابي على لبنان تطوره واقتصاده وبناء مؤسساته الثقافية والتجارية ومينائه البحري الذي ورث مكانة

ميناء حيفا لخدمة دول الشرق الأوسط، ومطار بيروت الذي حل مكان مطار اللد للهدف ذاته.

رسائل وإضاءات

أما تحت عنوان رسائل وإضاءات فقد أدخل الأستاذ فتحي إضاءات لكوكبة من الكتاب والأدباء من بينهم الأستاذ حنا أبو حنا ، والكاتبة صباح بشير، الكاتبة رنا أبو حنا، بروفيسور محمد وتد والإعلامي الفلسطيني هشام دباغ وغيرهم من القامات الأدبية الفلسطينية في الوطن والشتات، وقد اتفق الجميع على أن فتحي فوراني ليس معلمًا فقط، بل إنه فنان يرسم بالكلمات ناقلًا الرسالة دون تعقيد أو تشويه،  بل إن رسالته صافية كمياه نبع رقراق ينساب حنانًا وحبًّا للورود والطيور المحيطة لينقل رسائله الوطنية والأدبية الداعية إلى التفاؤل والمحبة، وكأني به يقول “إننا شعب واحد لنا حضارة واحدة مسنودة بلغة واحدة من أعرق لغات العالم، حضارة نابعة من تاريخ واحد، ولها مستقبل واحد وذات تحديات تواجه الجميع.

أخيرًا وليس آخرًا جزيل الشكر للأستاذ الأديب الكاتب فتحي فوراني وله أقول: إن احترامنا لك واجب لأنك نذرت حياتك وتعبت التعب كله وما زلت على هذا الطريق حاملًا الرسالة من أجل مستقبل شعبك.

ألف شكر لك أستاذ فتحي.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*