وأبى إلّا ان يحوّل له الايسر! لم يسمع بموعظة المسيح على الجبل… لكنّه فعل!
المسافة المتبقية بينه ومدخل البيت تكشف عن تكدّر وغمّة.. والتحية عن غلّة ظاهرة على كرسيّ خدّه الأيمن كدمة مزرقّة!
كانت لكمة صاحب! وقد غالَب الصدمة وتجاهل الغضب، واستدار عائدًا من المدرسة (قبل عامين)، ليعلّمني ألّا أُترجم المقروء ترجمة حرفيّة…
يا لعيني من الغرق الوشيك! لكنّني لن أسمح بهذا!
_ هل رددتَ له التحية؟ لا! _ لماذا؟ _ لأنّه صاحبي!! _ صاحبكَ! أولستَ صاحبه!؟ _ كان عصبي وغضبان.. تسرّع وغِلط!! _ والسبب؟ _ الولاد ضايقوه.. فتت مُصلاح.. طلعليبكس! _ يعني مغدرش للبقرة نطح العجله..حلو كثير! طيّب مش مهم.. بتصير! المهمّ إنتِ تكون رايق.
ويأتي مَن يحرّضه على ردّ التحية في الغداة: إن ما كنت ذيب بتوكلك الذياب! والذياب عمبكثروا دير بالك!
_ أنا لا عجله، ولا مستعدّ أكون ذيب! بدّي أظلّ إنسان عارف شو معنى صاحب!!
يا لضآلتي مقابل كِبَره! أمضيتً بعض ليلتي أحاسن تلك الغيمة الحائمة في فضائي حتى تمكّنتُ من ترحيلها، لأُراجع قول السيد المسيح” مَن ضربكَ على خدّكَ الأيمن حوّل له الأيسر”. وكنتُ على مدى العقود أتساءل: تُرى، هل كان ملك المحبة بكامل وعيه حين قال ما قال، وعن سابق تصوّر وتصميم؟؟ هل كان يجهل أنّ الزمان سيبرع باستحداث سلام يقوم على ضارب ومضروب؟ وهل قصد تحميل المضروب مسؤولية السلام، حتى وإن مات كمدَا؟
قبل أن يتوجّه الملكوم إلى المدرسة عرّج حاملًا للصبح وسام شرف إنسانيّته منقوشًا بين عينيه بريشة بيضاء ملائكيّة؛ وقد زاره الصاحب برفقة والده مستسمحًا معتذرًا: ” كنت بطقّ لو خلّيتك تنام مقهور منيّ”!
وتصالحتو؟ _ وتصالحنا وتباوسنا…!
سهر معه حوالي ساعتين، وغادره صديقًا ينبعث الصدق من عينيه بريق أعلام انتصارالمحبة!
الآن فقط، أدركتُ رمزية تحويل الخدّ… إنّه التسامح ذاك السيف القاطع الذي لا يجرح، بل تنمو على حدّيه رياحين السلام الملائكيّ!