عندما يكتب الأديب قصة عن الأرض، تتدفق مشاعره الصادقة كينبوع عطاء صافٍ، لأن حب الأرض هو الحب الحقيقي الذي يأتي بالفطرة دون تكلّف أو تصنع، وهذا ما عبّر عنه الأديب والشاعر، سهيل إبراهيم عيساوي، الذي أصدر مؤخراً، عن “دار سهيل العيساوي”، قصة للأطفال، تحت عنوان: “جدي يعشق أرضه”، التي تقع في 50 صفحة من الحجم المتوسط، وقد وضع الرسومات الداخلية لها وصور الغلاف، الفنانة التشكيلية، فيتا تنئيل، وترجمها للغة الإنجليزية، الأديب والمترجم المصري حسن حجازي، والقصة تدعو إلى ضرورة التمسك بالأرض كموروث حضاري وثقافي، وهوية للإنسان والمكان، ومكانة الجد في المجتمع.
وفي هذا السياق، تحدث عيساوي، الذي تعود أصوله إلى قرية كفر مندا في الجليل، لـ”وكالة القدس للأنباء”، قائلاً: إن “رسالتي من خلال القصة هي ضرورة تمسك العربي بأرضه، لأن التمسك بالأرض يعني التمسك بالوطن والقيم، والموروث الحضاري، مما يعزز وجودنا في هذه الأرض، خاصة أننا أصبحنا نشاهد بعض الأبناء والأحفاد يبيعون الأرض غير مهتمين بمن يملكها، من أجل رفاهيتهم وأنانيتهم، معتبراً أن القصة “هي دعوة للعودة لعشق الأرض لأنها مصدر الخيرات، وتعزز الانتماء للوطن والإنسان”، مؤكداً أن عنوان القصة “هو عتبة النص، وبوابة القصة، اخترت أن يكون العنوان مباشراً، كي ألفت انتباه القراء والأطفال إلى مضمونها، بعيداً عن التمويه والتلاعب اللفظي”، مشيراً إلى أن “سبب التسمية إشارة إلى دور الأجداد في حفظ الأرض وإعمار الأوطان، لأن عند الأجداد الأصالة والحكمة والرزانة، واتخاذ القرارات الصافية والحاسمة”، مشيراً إلى أنه “تم سرد القصة على لسان الحفيد، من أجل إبراز العلاقة الطيبة والحميدة بين الجد والحفيد، لأنه للأسف الشديد أن بعض الأجيال الجديدة لا تحترم الأجداد، تنفر منهم وتسخر منهم ولا تقدر مجهودهم في الحفاظ على الأرض، ودعم الآباء، بالإضافة إلى ضرورة الاحتفاظ بالأرض جيلاً بعد جيل”.
“جدي يعشق أرضه“… وعن القصة، قال: إنها تطرح قضية حب الأرض بشكل إنساني بعيداً عن الشعارات والصدامات، بأسلوب سلس، وجميل، وهادىء، كجزء من التمسك بالهوية الوطنية، والاحتفاظ بالموروث الحضاري العربي، وتكاد تكون القصة الوحيدة التي تدعو إلى ذلك، لا أعرف لماذا لم ينتبه كتاب قصص الأطفال الفلسطينيين والعرب عامة إلى هذه النقطة رغم أهميتها”.
دعوة لعشق الأرض وعدم الهجرة: وأضاف: “أنا شخصياً أحب أن أطرح قضايا جديدة ومثيرة، تحترم عقل الطفل وتدعوه إلى التفكير وتطوير ذاته وصقل شخصيته بقوة وثبات، والتحضير لمستقبل مشرق، لكني لا أنكر الواقع العربي.. قصة “جدي يعشق أرضه” تصلح وتلائم الطفل في كل مكان في العالم العربي، وخاصة أننا نلاحظ هجرة العقول العربية إلى الغرب، بحثاً عن مستقبل أفضل، إننا ندعو الشباب والأطفال إلى خلق مستقبل أفضل بسواعدهم وعقولهم وإرادتهم”.
الأرض هي العرض… وأكد أن “القصة تتحدث إلى كل شعوب العالم التي تتعرض للظلم ويراد لها ترك أرضها وبلادها، ففي نهاية القصة يقول الجد: أنا لا أبيع أرضي، هي عرضي، أنا لا أبيع أرضي، هي وطني”، هنا إشارة صريحة إلى أن الأرض هي مثل العرض لا يفرط بها، مثل الوطن غير قابلة للمساومة، هي وجود الإنسان العربي والفلسطيني هي هويته”.
وبيّن أنه “ليس من باب الصدفة طبعت القصة أكثر من طبعة، وترجمها المترجم المصري، الأديب حسن حجازي، إلى اللغة الانجليزية، إيماناً منا بأهمية ترجمة أدب الأطفال، كي يصل بعيداً، فالترجمة هي الجسر المتين بين الشعوب، مؤكداً أن “القصة لاقت استحسان الأطفال، والمدرسين والنقاد، كما كتبت عنها عدة دراسات وقراءات”.
وحول سؤاله عن غياب صور للجد أو للحفيد في القصة، قال الأديب عيساوي لوكالة القدس للأنباء: إن الرسام حسب رأيي شريك حقيقي في نجاح القصة، والرسومات هي النجاح الثاني للقصة والنص النجاح الأول، عندما يمنح الكاتب النص إلى الرسام، هو يوافق على الشراكة، ويمنحه تفويضاً بالرسم والإبداع”. مضيفا “صحيح أن القصة لا تضم الجد والحفيد في لوحة واحدة، وقد يكون هذا مأخذ جدي على الرسومات، وربما كان هدف الرسامة تسليط الضوء أكثر على الجد والأرض”.
ضرورة التمسك بالأرض… وأضاف: “أنا أميل إلى كتابة قصص الخيال العالمي، مثل قصة “المخلوق الغريب في ضيافة الأسد”، و”هادي يستكشف الفضاء”، و”العالم في قبضة الروبوتات” و”أسيل مهندسة السلام بين الكواكب”، و”توبة الثعلب”، وقصتي الشهيرة “ثابت والريح العاتية” التي صدرت في أربع طبعات، وفازت بجائزة ناجي نعمان لأدب الأطفال الأخلاقي..
أنا أحب القصص الخيالية، لأنها تأخذ الأطفال بعيداً، وتوسع خيالهم وآفاقهم وتحترم عقولهم، وفيها استشراق المستقبل، لكن هذه القصة جاءت في ظروف استثنائية، أردت أن أكون واقعياً، لتعزيز مكانة الجد، التي أخذت تتلاشى في ظل انتشار التكنولوجيا، وتضعضع القيم، وانشغال الناس بقوت يومهم، والنقطة الثانية عزوف الناس عن الأرض والعمل بها، والهرولة إلى بيعها، حتى لغير العرب طمعاً بالمال”، مبيناً أنه “ليس سراً أن قسماً كبيراً من الأراضي الفلسطينية بيعت للوكالة اليهودية قبل النكبة (غالبيتها من قِبَل ملاّك عرب)، بثمن بخس، بسرية تامة، لذلك من المهم في نظري التمسك بالأرض، حتى لو جاءت رسالة القصة السامية على حساب فنية القصة”.