بكلمات بسيطة يقول لنا الطفل:
لي حُلُمي
لي عالَمي
لا تَقُولوا: أَنْتَ صَغيرْ
لي عَقْلٌ وَلي رَأْيٌ
وَلي… قَلْبٌ كَبيرْ
للأطفال أحلام كثيرة وعالم خاص بهم، له مفهومه وقوانينه التي لا نفهمها جيدا نحن الكبار فنخترقها بصرامتنا دون قصد، ونشوه عالمهم البري ء بأفكارنا المثالية، ونفسيتنا المُتعبة، وتعليماتنا الكثيرة، التي تزعجهم وتغضبهم وتأخذ منهم لحظات المرح واللعب. فاللعب والمرح يدخلان السعادة الى قلبه ونحن جميعا نريد أن يكون طفلنا سعيداً. ففي رسالته لنا يقول:
أُحِبُّ اللَّعِبَ بِحُرِّية
دونَ إزْعاجٍ
دونَ تَحَرُّجْ….
دونَ تَعْليماتٍ مِنْ كَبيرْ…
لكننا نتجاهل رسالته، ونضرب عرض الحائط حريته في اللعب وفي التعبير عن رأيه ورغباته، ودائما نأمره لينفذ التعليمات وأن لم يكن في حاجة لها.
أليس من الرائع أن نتمهل وننظر بعيونه المشرقة ونتفهم ما يريد!!!؟
الكتابة الإبداعية للأطفال مسؤولية كبيرة: وكما نرى إنَّ تربية الطفل مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الأبوين وعليهما ان يؤديانها بمحبة وتفهم ووعي. هكذا أيضا هي الكتابة للأطفال، مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الكاتب، فعليه أن يكون حريصاً في كتاباته وحذراً فيما يريد أن يوصله للطفل من فكر. عليه ان يسأل نفسه أولا، لماذا أريد أن أكتب وعن ماذا، ما هي الفكرة وما الهدف منها، ما أبعادها، هل هي تحاكي الطفل وتنقل له ما يحتاجه من فكر، معلومة، مفاهيم قيمة، تجربة وإثراء لغوي. الكتابة للأطفال هي فن له أسلوبه الخاص، لغته وجماليته، على الكاتب تعلمه والتقيد به.
لذلك يجب أن تكون الكتابة الإبداعية للأطفال ذات مسؤولية، يتعامل الكاتب معها بوعي من أجل خلق جيل واع، راق بأفكاره ولغته.
سأتحدث في هذا المجال عن أهمية وقيمة العمل الإبداعي للأطفال، الذي له دور أساسي في صقل وتنمية شخصية الطفل المستقبلية، ان كان للمدى القريب أو البعيد. أن العمل الإبداعي بكل ألوانه من شعر، نثر، قصة ورواية، يساعد في النمو العقلي والخيالي لدى الطفل، يكسبه اللغة، يزوده بالمعلومات والأحداث، يعمل على تنبيه الذاكرة وقوة الادراك وسرعة البديهة.
من المهم أن تكون الكتابة الإبداعية ذات زخم في جماليتها، راقية بالفكرة، مشبعة بالصور الأدبية الرائعة، كي تزود النفس بأحاسيس مرهفة ومشاعر رقيقة جياشة فتسهم بذلك في تخفيف التوترات وتخليص النفس من الانفعالات التي يمكن أن تضر بها. تساعد كذلك في تهذيب الأخلاق، وتنمية سلوكيات إيجابية، تساعد الطفل في تكوين شخصية اجتماعية قوية ومستقلة. الى جانب كل ذلك نجد أن للقصة دوراً كبيراً في تنمية الكثير من المهارات عند الطفل، منها اللغوية، القراءة والكتابة، مهارة الاستماع والتحدث، منها العلمية، الأدبية، السياسية وفي كافة مجالات الحياة، الى جانب المتعة والتشويق الذي تخلقه الأحداث في القصة وتجعل الطفل يسبح في عالم الخيال فيتجاوز المكان والزمان وهذا ما يريده الطفل.
يريد أن يعيش في عالمه الجميل وأن يطير بحرية كالعصافير لا تحده أرض ولا سماء كما خاطبنا في قصة لي حلمي ولي عالمي:
أُحِبُّ أنْ أَطيرَ وَأُحَلّقَ
بَعيداً… عالِياً كَالعَصافيرْ
فَالسَّماءُ لي …. وَالأرْضُ لي
وَالبَرُّ … وَالبَحْرُ
وَالشَّمْسُ … وَالقَمَرُ وَالنُّجومُ … كُلُها لي
كم جميل أن يتمتع طفلنا في عالمه الخيالي، أن يعيش لحظات ممتعة في اللعب بحرية، أن يغامر ويجرب ليكتشف لوحده ما يريد، فالتجربة تعلمه الكثير وتكسبه الخبرة، لإيجاد الحلول لمشاكله الحالية والمستقبلية. وما يزود الطفل بهذا الخيال وكل ما ذكرت أعلاه، هي القصة واللعب الحر، فعلينا ان نشجع أطفالنا على القراءة الإبداعية ونتيح له المجال في اللعب خارج جدران الغرف وبعيداً عن الشاشات المضرة.
نحن نعلم، ان هنالك منافساً قوياً للكتاب وهو الشبكة العنكبوتية التي تغري أطفالنا وأولادنا بالكثير مما ترسله من مخزونها من مفيد ومن سيء. فكبسة الزر أسهل من طي صفحة الكتاب، والقصة المسموعة أسهل من تهجئة الحروف. والمتعة في الاستماع تختلف عنها في القراءة.
ولمس وتحسس الورق بأصابعه التي تبعث في داخله فرحاً ودفئاً، لا يمكن أن يشعر بها من خلال الشاشات، وأيضا التمتع والتحديق في لوحة الكتاب يختلف عما يراه من خلف الشاشات، التي تبث أشعة زرقاء تضر بعيون أطفالنا.
بالمناسبة نحن اليوم نقف عاجزين أمام الهاتف الخلوي الذي أصبح في متناول أيدي أطفالنا دون رقابة، يدخلون من خلاله وبسهولة الى مواقع وأفلام ترعبهم بأحداثها أو تسيء الى نفسيتهم وتشوه تفكيرهم، فيتبنى الطفل عادات غريبة لا تناسب جيله أو مجتمعه ومعلومات مشوه عن الكثير من المواضيع. إذا علينا أن نكون حذرين ونحاول حماية أطفالنا من خطر هذا الهاتف الصغير.
هناك فرق شاسع ما بين الشاشات وسلبياتها والقصة وإيجابياتها، ويجب ألا ننسى أن القصة للأطفال قد تساعدنا نحن الأهل على فهم عالم أطفالنا وعلى فهم الحالات التي يتعرضون لها إذا كان في المدرسة، الحارة، الشارع وحتى داخل البيت. فالقصة بإمكانها أن تساعدنا في حل مشكلة ما لطفلنا على سبيل المثال قصة نعنع والمخيفة السوداء التي تتحدث عن الخوف، هذه القصة تزود الطفل والأهل معاً بطرق تساعدهم في التخفيف من حدة الخوف الذي يتعرض له الطفل إذا كان واقعياً أم خيالياً، فوضع الطفل في تجربة الخوف بأسلوب مدروس يساعده في التغلب على مخاوفه. أيضا قصة حكاية فراشة التي تحكي عن الموت، تساعد الطفل ان يدرك مفهوم الموت، تساعد الأهل على شرح مفهوم الموت للطفل بطريقة جيدة. أحياناً كثيرة نعجز عن شرح ذلك للطفل.
كما في قصة ماذا تقصد أمي، أحياناً كثيره نقول للطفل عند خروجه من البيت دير بالك على حالك لكن من ماذا؟؟ في هذا القصة جعلت البطل يتساءل ويكتشف، ماذا كانت تقصد امه. وغيره الكثير، ففي كل قصة كتبتها جعلت الطفل فيها ان يكون هو الأكثر ذكاءً وحكمةً، يخوض التجربة ويجد الحلول ليخرج من الموقف.
في قصة هذا جسمي لا تلمسني تعطي للطفل حين قراءتها قوة، تشجعه ألا يخاف من أحد وألا يسمح لأحد بالاعتداء عليه، تجعله يفهم أهمية المحافظة على جسمه فهو ملكه وحده. كذلك تساعد الأهل على تمرير هذه المعلومة للطفل بسهولة وتشجيعه على مصارحتهم إذا تعرض لأي اعتداء.
يقول الطفل بشجاعة للآخرين:
هذا جِسْمي
وَهُوَ مُلْكي
لا يَحِقُّ لَكَ أَنْ تَلْمِسَني…
كُتب النص بأسلوب شعري ولغة تناسب الفئة العمرية من سنتين حتى سبع سنوات، جعلت الطفل هو صاحب الفكرة والكلمات، هو من يقولها ويصرخ بها في وجه من يريد أذيته. هذه الكلمات رغم بساطتها ألا أن قوة هائلة تكمن فيها، فهي تدخل الى مفهوم الطفل وفكره بسلاسة وبشكل مباشر دون تعقيد. وهذا ما قصدته في أهمية الكتابة الإبداعية ومسؤولية الكاتب في توصيل الفكرة الى الطفل، مع التمتع بالقراءة والتمتع برنين الكلمات فيرددها بسهولة فترسخ في عقله ويستعين بها وقت الحاجة. أيضا في قصة هذه لعبتي رسالتي للطفل هي مفهوم الدفاع عن حقه، وايضاً احترام حق الآخرين، استعمال اللغة الجميلة والمهذبة عند طلب الشيء أو عدم الرغبة في قبول الطلب.
هذِهِ لُعْبَتي
إَنَّها مُلْكي
لا تَأْخُذْها عُنْوَةً مِنِّي
إِنْ أَرَدْتَ اللّعِبَ بِها
فَاطْلُبْها بِأَدَبٍ مِنِّي…
أنوه أن قصة لي حُلُمي ولي عالمي، هذا جسمي لا تلمسني، هذه لعبتي;، نحن جميعا أصدقا والتي على وشك الخروج للنور، قد كتبوا بنفس الأسلوب الشعري ولنفس الفئة العمرية.
هنالك العديد من الكتب لي ولكتاب آخرين يمكن للأهل الاستعانة بها كوسيلة علاج لمشاكل ومواقف يتعرضون لها أولادهم.
وأخيرا أود أن أقول في هذه الصدد، على كل كاتب أطفال يريد، أن تحاكي قصته الطفل وان تصله الفكرة، عليه أن ينزل من برجه العالي الى عالم الطفل، أن يلعب معه بألعابه، يتحدث بلغته، يفكر بتفكيره، يخوض معه تجاربه ومغامراته، كي تكون لديه القدرة على فهمه والتعبير عنه. فكل القصص التي كتبت حتى الآن، أخذتُ الفكرة من عالم الطفل، من أولادي، أولاد الجيران، الأقارب والأصدقاء وذلك من خلال لعبهم، نقاشهم، شقاوتهم، صراخهم، رفضهم، عنادهم، مغامراتهم.