هل تَذْكُرُ الدّارَ – واصل طه

 

هل تذكُرُ الدّارَ والأبيارَ والزَّمنا؟          أطلالُ قد أشعلتْ في قلبِنا حَزَنا

أجابَ.. والآهُ في انفاسِهِ اخْتَنَقَتْ           والقَلبُ رقَّ.. وبالْأشواقِ قَد رَكنا

دارٌ زَهَتْ بكرامِ النَّاسِ فتألّقتْ              دارُ الأحبةِ تبقى في الحَشا وطَنا

لا المالُ يُنسي، ولا الأرزاقُ لو كَثُرَتْ     فمَسْقَطُ الرأس مَعْشوق الَذي سَكَنا

إنْ غابَ عنّي جمالُ الدّارِ أُدْرِكُهُ           فما رأيْتُ جميلًا بعدَهُ حَسَنا

يظلُّ بيْدَرُنا حُلْمًا يعاودني                  رؤيا   تُذكرُني بعاشقٍ ظَعَنا

لم أنْسَ كَرْمًا بهِ السَّرْواتُ سارحةٌ         والنبعُ تَغْمُرُهُ الذكرى إذا هَدَنا

في كلِّ حُلْمٍ أرى الرُّمانَ مُجْتَنِيًا            وكوزهُ بلظى الْأيامِ قَدْ وَسَنا (١)

نَديَّةُ اليدِ للأجوادِ بوصلةٌ                   مِثْلُ الأقاحي تُضيئ الدَّربَ والدّمنا

لَمْ أنسَ يا وَلَدي انسامَ تُرْبَتِها              هناكَ جَدُّكَ في أحشائها قَطَنا

لم أنسَ يا ولدي أعنابَ قَدْ عَرُشَتْ        خضرا تظللُنا، قلبي بها ارتَهَنا

هل يَغْفَلُ المرءُ عَنْ أَمْرٍ يعيشُ له؟       ينمو ويكبرُ آمالاً ومُرْتكنا

تبقى بذاكرتي الآمالُ مرتكَزًا             والقلبُ عَنْ بلدي ما غاب أو شَطَنا (٢)

وأقْدَحُ الزّندَ دارًا أسْتَظلُّ بها              تُلقي شعاعًا منيرًا مِنْ بَريقِ سنا

يا ليتَ ذا الشَّوقِ يَلْقى من يُحدِّثهُ         شوقٌ يُحاكي عيونًا دَمْعُها هَتَنا

يا ليت ذا الحُبِّ قَدْ ثارَتْ لواعجُهُ        حتى يُثيرَ فؤادًا حُبُّهُ كَمَنا

يا رُبَّ زائرةٍ للدّارِ لو نَظَرَتْ            تُلْقِي تحيَّتها للدّارِ والعَطَنا (٣)

هيّا بُنيَّ..  تَقَصّى في الجوى أثرًا       حتى يُرَسِّخَ فيكَ الدّارَ والوَطَنا

تعالَ نُكْمِلُ بالتّذكارِ سَهْرَتَنا             كي نُطْفِئَ البُعدَ والآهاتِ والشَّجَنا

 

١-وسن: نَعِسَ

٢- شطنَ: ابتعد.

٣- العطن: مربض الأغنام.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*