عِطرٌ وسُبحاتٌ بليرةْ
يا خواجة،
مَن يشتري منّي بليرةْ
أيَّ حاجةْ…
ومضى يُدلّلُ حاملاً
بعضَ البضائعْ
وصغيرتانْ
في إثرِهِ تتراكضانْ،
لا شيءَ يكسو منهما الأجسادَ
إلاَّ في الوَسَطْ،
ما يُشبهُ الأسمالَ
أو حتّى الخِرَقْ.
صُغراهما تبكي،
وأمّا أختُها تلكَ الكبيرة،
لكنّها ليستْ كبيرة،
رَجعُ الصَّدى لشقيقها البيّاعِ
طوّافِ الشّوارِعْ:
“عِطرٌ وسُبحاتٌ بليرَة
يا خواجَة…
مَن يشتري منّي بليرَة
أيَّ حاجَة”!
في زَحْمةِ الدوّارِ
حيثُ تَجَمهرَ الجمعُ الغفيرْ
يندسُّ بينَ الناسِ
علَّ نصيبَهُ الرزقُ الوفيرْ
ويدوسُ في وسْطِ الزَّحامِ
برِجلِهِ الملآى غبارْ،
الحافيَة،
نعلَ جُنديٍّ يجوبُ شوارعَ البلدِ الكئيبَةْ،
يا للمُصيبَةْ!
ها قد تلطَّخَ نعلُ جنديِّ الحراسَة…
ما ذاكَ غيرُ تحرّشٍ مُتَعِمَّدٍ،
يا للنَّجاسَة!
واحمرَّ وجهُ الفاتحِ المكمودِ
واحتدَمَ الغضَبْ:
لا بدَّ من تأديبِ ذيَّاكَ الشقيّْ
لا بُدَّ من تأديبهِمْ
كلّ العربْ!
وهوى بقبضتِهِ الثقيلةِ ضاربًا متنَ الصبيّْ
فَهوى الصبيُّ،
تبعثرَت سُبحاتُهُ في كلِّ صَوبْ
وعطورُهُ في كلِّ صَوبْ…
لا أنّةً كانتْ،
ولا حتّى صراخًا مِن ألم،
قد كتَّمَ المسكينُ غيظًا
في جوانِحِهِ احتدَمْ
فيما مضى الجنديُّ مختالاً
بنصرِ المنتقِمْ
فلقد ثأرْ
لحذائِهِ المُغبَرِّ مِن طفلٍ ثَأَرْ،
ويسيرُ مَزهوًّا
ويتركُ خلفَهُ القومَ الـ…بقرْ!
ويلملمُ الطفلُ الجريحُ حوائجَهْ
وبغيرِ كِلْمَة،
عيناهُ دامعتانِ،
لكِنْ فيهما مليونُ نقمَة
مليونُ تعبيرٍ ومعنى…
ويمدُّ يمناهُ لأختيهِ
بِبِشٍّ يبتسِمْ:
“لا، لستُ أشعرُ بالألمْ،
هيَّا، فما زالتْ لنا بعضُ اللّعَبْ،
صمَدَتْ ولم تعرفْ عَطَبْ
والشمسُ في عزِّ الظهيرَة
فهلمّ يا أختي الصّغيرَة…
“عِطرٌ وسُبحاتٌ بليرَة
يا خواجَة،
مَن يشتري منّي بليرَة
أيَّ حاجَة”!
_________________
قصيدة نثرية – أكتوبر 1968
إثرَ زيارتي الأولى لغزّة بعد احتلالها عام 1967