نافذ الرفاعي من هاوٍٍ في رواية قيثارة الرمل إلى مبدع في رواية الخنفشاري – د. جبرا الشوملي

أدهشني هذا الاسم الضبابى في ذاكرتي : الخنفشاري ، دققت وأمعنت النظر في إسمه وملامحه وملابسه وأطباق طعامه وكتبه ومقولاته وأفكاره وتأملاته وفوضويته ومشاكساته وخشونته وحزنه وفرحه وغرفته وأصحابه وتعليقاته ورغباته ولوعاته ونزواته ونساءه وخلواته الصوفية والقبانية (نسبة الى نزار قباني) وصموده في زنانين الجلادين وتحرره من السجن وغربته وعودته الى الوطن ، كما أبدع الكاتب الاديب نافذ الرفاعي في نحت تفاصيلها الساحرة ، فانجلى الضباب ورأيت الخنفشاري كما كان بلحمه ودمه يقهقه عاليا في ساحات جامعة بيت لحم يوم كنا مع صديقي الكاتب وصديقنا الخنفشاري والكثير من الطالبات والطلبة الثوريين في مفاتح العشرينات من عمرنا نراهق ونتعلم دروس السياسة والثورة والفكر والفلسفة في أوائل ثمنينات القرن الماضي.
أدهشني اكثر رذاذ عليل يراع الكاتب المصبوب موسيقى وفكرا في نهر الثورة والانثى ، كما خياله الجموح المنفلت من قيود المحرمات البائسة وتزمت النصوص ولغتها المطلقة، كحصان بري هائج كأنه من زمن بلقيس وزنوبيا لا تحده حدود لا أرضا ولا سماءا ، يقتحم فضاءات البشر ويغرف من ماء بئرها تناقضات الفطرة الانسانية وحمولتها الاجتماعية : صفاء معادنها وشوائبها، اذوقها الرفيعة والخفيضة، عفتها وملذاتها ، شجاعتها وجبنها، ابداعاتها واجترارها، صمودها وانكساراتها، إطمأنانها وقلقها، يقينها ويأسها ، أمالها وخيباتها، ويصبها في تحفة خنفشارية نابضة بما يتبدى كما لو أنه تناقض ممتنع، هى نبت من نبات العروبة المغدورة ، تفوح منها رائحة صوت الغرير وهو يصدح في برية الاعراب دون صدى، وأزيز صليات عروة ابن الورد المحذوفة من بنادق التاريخ، وانتشاءات ابي النواس المخمور بالشعر والنبيذ ، واشعار نزار قباني المتخمة بالمكبوت والجنس والثورة، وأقباس النور التي تملئ وجه شيخ الطريقة الصوفية. .
الخنفشاري: رواية الوطن المثقل بجدل الزائف والحقيقي من التاريخ البعيد، والمثقل ببطش حوافر القبيلة في التاريخين البعيد والقريب، القبيلة باسماءها القديمة والحديثة وبازيائها التنكرية، والمفجوع من انهيار احلام الثوريين في قديم وراهن التاريخ ، وما بين تلك التواريخ المحملة بالفجائع يظل الكتاب محملا بتفاؤل العقل والارادة يؤشر لضوء في أخر النفق، الضوء سينبلج، ” الناس سيبتسمون مرة أخرى ص 147″ ولكن كيف ومتى ” من يعيد للثورة بريقها ص 190 ” ؟ أسئلة مشرعة أحالها الكاتب على حاضر ينتظر فيلسوف ثوري يفتت التناقض ويعيد بناء الرمز المنسجم و يستلهم بعضا من روح الخنفشاري وبعضا من الطهورية الثورية للاكاديمي المتواضع حنا ميخائيل الذي هجر درجة الاستاذية في جامعة هارفرد والتحق مقاتل يزحف على قدميه في صفوف الثورة الفلسطينية في لبنان وبعضا من عودة الوعي للبروفسور الذي ترك جامعات بريطانيا وامريكا وثقافة الفردية الغاشمة وعاد الى الوطن متمتعا بالتنقل بين الحواجز وملامسة الاخطار اليومية، وبعضا من بروليتاريا ابي خديجة رمز قاع المدينة ، وبعضا من خيالات وجماليات الامير الاحمر، وبعضا من كاريزما الختيار مفجر الثورة وتوأمه العروبي أبي الميساء ، أو قل ينتظر موهبة محترفة تستورث الرفيع من التجربة السابقة ، موهبة بحجم عدالة القضية الفلسطينية، تنهض وتحمل الجواب المخرج من تحت انقضاض شعب منهك ولكنه لم يستسلم.
الخنفشاري : هو كل هؤلاء وغيرهم ممن ذهبوا ولم يسمع بهم أحد، وهو بعضا من هؤلأء الذين سيأتوا ولم يتنبأ بهم أحد، ولكنهم قد يكونوا مختلفين كثيرا او قليلا عن طينة ممن سبقوهم من الاحياء والاموات .

الخنفشاري: هو جنون الوطن وجنون الانثى على نموذج السجية التلقائية.
الخنفشاري : هو الوطن دون أدلجة والدين دون أدلجة والعفوية دون قناع.
الخنفشاري: هو الثورة بكل بطولاتها وإحباطاتها.
الخنفشاري : هو قوس قزح الجماعة الفلسطينية دون تدخل كيميائي.
الخنفشاري : هو نداء للتدخل الثوري على نموذج مقص تقليم الشجر

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*