فأين تُراهم بعدنا يسكنون؟ فهم مضللون عالقون تحت حوافر اَلة عصرهم، ودروب الخيام الاَمنة في نفوسهم مزروعة بالألغام النووية. وبينما يمارس الرعاة والبناة الزنى الفكريّ يُساق الخراف إلى المشافي الروحية، ويجرّعون كؤوس الغزل بالشرف الرفيع ! قصر نظر جماعي مترافق مع دفع غريزي رباعي … وانتهى بنا المشوار إلى مصير كارثيّ. وبات وحشُ العنف حديث الأربع والعشرين ساعة!
كان انبعاث الغازات الثقيلة قد بدأ منذ عقود أقلها ثلاثة، من شبكة افران السلطان المركزية مرورًا موفقًا بالخلوات التربوية الخاصة… والعامة، كالمدارس و… وكنّا قد أعطينا مهمة الخبز للخباز بناءً على حضارة الاختصاص (والتي نعرفها من زمان) “فكرنا الشيخ شيخ طلع زلمه!” حرامي محترف أبًا عن جد.. ومأجور! لعب بالعيار والميزان والنوع. وكان على رأس أولوياته رصف حدائق مدارسنا المخصصة للزراعة مصدِّرة الصفاء الذهني والعافية النفسية والبدنية، ونسف صفوف أشغالنا اليدوية التراثية مغذية إحساسنا بالجمال… فكان فيما كان تدمير شامل لملكات الابداع. لكنه لاقى كل الاعجاب والترحيب!! فاستسهل استباحة مجالسنا وغرف إداراتنا.. وحتى مخادعنا. وتحوّلت مؤسساتنا التربوية بسرعة قياسية إلى مطامر مواهب وهوايات (وهويات)، أو مستودعات آلات حادة أرحمها المخالب والأنياب، ولم يبحث مهندسو عمارة الشخصية بعد في سلة المهملات التربوية!!!
دبَّ “الأميون” الصوت حتى انبحّوا: في مطاحن السلطان للقاطوع مزارع عدة! وفي عجينة خصل شايبات كثيرة جدًا! وما أبصرها العميان! جُنَّ صراخهم: مش شايفين استعملوا نظارات خصوصيه! لكن سمعان صار من الأنوات، ومثله لا يسمع غير قهقهة مرايته! بحكي بالنظريات والايتيكيت وبتفلسف بالفرنجي. وإذا المواجهة مع جيل محارب فالت من كل قيد إلّا قيد الغزيرة! والحصيلة فتيان مشاريع عنف وفتيات مشاريع اغتصاب أو ذبح!!
الأرض مخصبة بالغرائز، الميوعة المقرونة بالقحط العاطفي، مضافًا إليها ثقافة ممنهجة مفرغة من القيم، تسيّب اعلامي، أنانية وتحريض، في أرض كهذه لا يجدي صهيل الشعراء نفعًا والأقدام المغروسة في النقع لا تشم شذى الشعر. في أرض كهذه لا يجدي تسنين غضب الاَباء المكلومين نفعًا… ولا تبرّد دموع المعزيات ماَقي الثكالى أو تطفيء حراقهنَ الجوفية. أما مرتا فمشغولة بأمور كثيرة، منها نشر مطولات المراثي، وتعداد ضحايا العنف! لكن الوقت دائمًا قصير!
المسألة مسألة مصير انتماء بامتياز أيها الغيارى، مسألة لا تحتمل مواصلة الاتجار بالعقول، والتكاذب، ويشمل شراء الأنا بالمهرّب وبالعملة المزورة، وبيع ألـ … نحن رسميًا وبالعملة الصعبة. هي حالة طواريء تستحق منا أن نضحي بدماثة الأقلام ولباقة اللسان، ونقول للأعور المتعاون أو المتعامي أو المتغاضي “اعور بعينه”. صار لازم نكتب بلا كفوف ونحكي بلا ترميز ونحارب الأوهام المقنعة بالقومجية. فحكومة تجاهر عقائديًا بالإطباق على ثقافتنا، لا تهز ضميرها مظاهرات ضد العنف (كما تعلمون).
تُرى، من يكون العنف؟ هل هو مخلوق بشري؟ أم شبح تجسده الحكومة المقصرة عن تأمين شرطي لكل حدث وقاصر؟ أو المتخاذلة عن تأهيل مدرس خصوصي لكل تلميذ وطالب؟ أم المتقاعسة عن رصد ميزانية خاصة للراغبين بشراء شهادة قد المقام؟ وبينما هي دائبة على سحق جذورنا العميقة نكتفي بالصراخ والولولة!!!
حماية تراثنا التربوي يستحق أن نحشد له مظاهرات مليونية نشارك فيها من الرضع حتى الكهول مطالبة صريحة برفع الطوق عن مناهجنا الخاصة، واعلام رفضنا طرح أولادنا لقطاء على أرصفة التطوّر.
كُلنا بدون استثناء مسؤول عن ضبط نظم التواصل السويّ بين الأحداث ومجتمعهم. ففي مسارنا التربوي الجاري مساحة غير مستغلة لتهذيب وضبط الانفعالات السلبية؛ فلا “اللحمات إلك والعظمات إلنا”، ولا الإفراط في تمييع مفهوم الحرية. وقد يكون العقاب الرحيم في حالة الطوارئ رحمة!
ليس من الضروري أن يكون كل مولج بتعبيد مسار الأمن الاجتماعي معمرجي تربية. فحسب المعني والمعنية الاسترشاد بروحية أبناء الأرض بسطاء القلوب: الفلاح والحطاب والطحان والحجار… زارعي الرهافة في أذاننا، والرقة في أفئدتنا، والقيّم الإنسانية في أذهاننا والعذوبة في كهوف ألسننا، وناشري طيب المحبة في أرجاء نفوسنا… ونقاشي الجمال في مسام جلودنا. فوق “قراميهم” نمت ثقافتنا فلا زوان حصدوا إلا بما يتوافق مع نظرية لكل قاعدة شواذها. فلا وألف لا لحرق قرامي الزيتون والسنديان والغار! ولا ألف لا لرد حصاد الزوان لتغيّر المناخ العالمي.. فنحن شركاء في صناعة مصيرنا. أو نقرّ بأننا طفيليات تقتات من فضلة موائد السلطان. سلطان سلطان. لكننا لسنا ملزمين باستهلاك منتجات مطابخه موزعة الانحلال والشذوذ في كل الاتجاهات.
فاصغوا يا دكاتير العمار للمنطق. لا تسدوا مسالكه الرئيسية والفرعية، فحدودها ظاهرة من البيوت إلى الحارات إلى المدارس إلى… أو تسألوا: أي ثقافة خلّفت لنا نقمة نسيان ما عمّر فينا اَباؤنا ومعلمونا من ممالك إنسانية؟ وأي بريان لحق بالنقوش التي تركوها فيها ودائع ثمينة؟ أوليس من العار علينا أن نعتاش على النسيان باعتباره نعمة؟!
إعمل واجبك يا ريّس ويا معلمتي ويا ماما… احرثوا الأرض عَميقًا للتخلص من جذور الدحال… ونقوا البذار جيدًا واحفظوه بعيدًا عن القوارض الفتاكة. ومن ثم نطالب الكيال بالنزاهة. هنا أكبر مستعمرات القمل والبراغيث.. وقفران الدبابير. لكن النحال الشاطر يلحق الدبابير بالمشاعل لعقر دارها. لا يخاف عالمًا أن الأقوياء لا يخافون الضعفاء!
شتات من هذا النوع تلزمه عملية مسح شاملة تمر بالمناهج… وتمهد لعملية إحياء مستعجلة، ولو من باب البرّ بمن زرعوا فأكلنا! أو نطبّق أفواهنا ونقبل بأولادنا رزقًا مشاعًا! وهذه جريمة لا تقل بشاعة عن بيع أملاك الأوقاف لأعداء الله والإنسانية.