هذا أو الطّوفان …البحث عن قائد – مصطفى عبد الفتاح

سئمت شُرب فنجان قهوتي الصّباحيّة على وقع عدّاد راديو الشمس، يحصي عدد قتلى العنف المستشري بين أبناء الشعب الواحد، وكاننا في حرب أهلية، او في حملة إبادة ذاتية، لا تبقي على شيء، أحاول عبثًا التّجاهل، أحاول أن أهز كتفي بلا مبالاة، لكن طعم قهوتي، يبدو لي، مخلوطًا بالدّم المسفوك ليلًا على عتبات أحلامنا الجميلة. أيّ مصير ينتظرنا، وايّ واقع نعيش، العدّاد لا يرحم ولا يترك رحمة الله أن تنزل، وكأنَّه هو المسؤول عمّا أصابنا. الأرقام تتوالى كلّ صباح، مائة وخمسون ضحيّة، مائتان مِن الضّحايا، بيوت أُغلقت، عائلات توقف الزمان على أعتابها، أُسر انتهت حياتها في جحيم الفُقد والموت، النّاس تعيش برُعب التّرقُّب من وصول رصاصة طائشة تخترق حياتهم، وسُلطة تدّعي عدم القُدرة على السيطرة ولا يصدّقها أحد، ونحن نصمت صمت الخراف، ونسير إلى حتفنا صاغرين، أصبحت الضّحايا مُجرد أرقام، والعنف إن لم يُصبنا فلا نُبالي، فما العمل!.

ليس خافيًا على أحد أنَّ مُجتمعنا يعيش أزمة حقيقيّة، أزمة إنحلال مُجتمعي وتفكّك قِيمي، واختلال في التوازن الأخلاقي، وإبتعاد عن الموروث الحضاري، تُصاحبه موجة عنف غير مسبوقة، في غياب فاضح لسلطة عنصرية لا تتمنى الخير له على أقل تقدير، ولا يهمّها أن يكسِّر البطّيخ بعضه، ما لم تُمس بقرتهم المُقدّسة ونحن نعرفها جيدًا.

شعب يبحث عن الله بقربه وإلى جانبه، ويساله النّجاة، دون أن يقوم بفعل حقيقي لدرء الخطر، وتصويب المَسار، يعيش حالةً من غياب السّلطة، حالة مِن الفوضى وتجاهل العالم له، وصمته المريب.  وسؤال يحوم في فضاءآتنا، هل كُتب على شعبنا أن يدفع ضريبة الدّم اليوميّة حتى نهاية المخزون وانقراضنا من هذا العالم. هل نحن أمام مؤامرة تصفية مُمنهجة لشعب يبحث عن بصيص أمل في الحياة؟ أم هي سلوكيّاتنا وتصرّفاتنا غير المدروسة، هي التي أودت بنا إلى التَّهلكة.

بالأمس كنّا بأمن وأمان، فما الّذي جرى حتى سيطر على حياتنا الجهل والتخلّف وقوانين الغاب، أين قيادات شعبنا المحليّة والقُطرية!، أين الشّباب المُتعلم والمُثقف والواعي!، أين حَمَلة رايات الوطن والدّفاع عنه حتى آخر النّفق!، هل نعي ما يجري لنا لنضع الحدّ ونُسيطر على السّاحة ونفرض وجودنا وحضورنا من جديد؟.

في خضم البحث عن حلول لقضايانا، فإننا ننسى أو نتناسى أنَّ أي مجتمع بالعالم بحاجة ماسّة إلى موجِّه إلى بوصلة إلى قيادة، وليس إلى زعامة. نحن اليوم أمام إستحقاق انتخابي ديمقراطي، بإمكانه أن يخلق لدينا قائد، يمكنه أن يقود المركبة بأمانة وإخلاص، أو ربما يقود المركبة إلى جحيم لا يطاق، او إلى لا مكان ونبقى في مكاننا دون حَراك، الخَيار بأيدينا وخارطة الطريق على الحائط.

امام هذا المشهد القاتم، نقف امام استحقاق لانتخاب قيادات جديدة في سلطاتنا المحلية، ويبقى سؤال مُعلّق، هل سنتوقف عن العدّ بعد الانتخابات الّتي تقف على الأبواب ونحن نرتجف خوفًا أن تتحوّل المُنافسة إلى صراع على السّلطة قد يودي بحياة الأبرياء وقد حدث؟ هل سنلقى الجواب الشافي لحُلمنا بالأمن والأمان، في وطن يبحث عن قائد حقيقي يقوده إلى برّ الأمان؟ إلى قيادة واعية مثقفة تستطيع ان تنتشله من براثن الجهل والتّخلف وانعدام المسؤولية؟

لا اقصد، وليس بنيتّي أن اتدخّل في الانتخابات، وأنا لا أتحدث عن شخص أو مجموعة أو قرية بعينها، بل عن شعب وطريق وخلاص من أزمة حارقة تجتاح كياننا ووجودنا الجسدي والروحي على هذه الارض. فقد قضيت من عمري الكثير في العمل الوطني، وفي البحث عن خلاص شعبي، وقدّمت كل ما أستطيع من فكر وجهد وعمل فاق كلّ الحدود، ولن اتوقف، ولكن ومن حقي أن أقدّم رأي وتجربة حياة لعلّها تُساعد وتدعم في توجيه البوصلة وتصحيح وتصويب الطّريق.

رغم هذا العنوان الصّارخ الّذي اخترته عنوانًا لمقالي عامدًا، اسمحوا لي أن احيي وأثني على موقف رئيس المجلس المحلي الحالي في كوكب، السيد زاهر صالح الشجاع والجريء والصّحيح بعدم ترشّحة لرئاسة المجلس المحلي لدورة ثالثة، التزامًا منه بمبدأ قانون الدّورتين وكفى، وهو بذلك يضع بصمة حقيقيّة لا تزول في تاريخ القرية، وربما كل مجتمعنا الفلسطيني في الداخل، آمل أن يسير على هديِها الآتون بعده، فهل ستتمحور هذه الانتخابات حول عضوية المجلس أكثر من تمحورها حول الرّئاسة؟ هذا ما ستكشفه لنا الأيام، وقد اقترحت ذلك في مقال لي نشر في موقع البيادر، يوم 24.1.2018 جاء فيه ما يلي:

” نستطيع أَن نمارس ديمقراطيتنا بشكل واع وواضح ومفهوم، نستطيع أَن نجعل من عضوية المجلس هي الأهم وهي الأَجدر باهتمامنا، وهي الموازية لقوة الرئيس ونفوذه.

نرشح الأنسب والأَقدر من ألوان الطيف الكوكبي، ننتخب مجموعة أعضاء تستطيع أَن تقيِّد وتحد وتصوِّب عمل الرئيس، مجموعة أعضاء تستطيع ان توجِّه وترسم وتخطِّط وتقرِّر سياسة، وليس شخصًا واحدًا، يتمثل بشخص الرئيس.

تعالوا نتفق على مواصفات مرشح الرّئاسة، عدد دورات ترشحه لا تتعدّى الدورتين، مواصفاته الاجتماعية والسياسية وقدراته العلميّة والثّقافية ومكانته الاجتماعية وسيرته الشخصيّة، ليقود العمل ويوجّه السّفينة من خلال المجموع، قيادة جماعية واعية.

نستطيع وبجدارة أن نتوقف عن المنافسة أو الصّراع الُمميت على السلطة. يمكننا أن نقوم بذلك، يمكننا ان نكون سبّاقين اليه، ونعيش في قرية تخطو بثقة نحو المستقبل. يمكننا ان نقطع الطّريق على السّلطة الحاكمة لتقطيع أوصالنا وجعلنا مجرد أفراد لا رابط بينهم.”

نحن نبحث عن قائد حقيقي، ولا نبحث عن زعيم، نبحث عن قائد يستطيع السّباحة في عين الأسد، وفي لُجج مُظلمة، قائد يكون راعيًا وداعمًا حقيقيًا لعمل ودور تنظيمات ثقافية لها مكانتها ودورها في صقل الوعي الثقافي والوطني والقومي، وتحمل راية وحدة الشّعب ثقافيًا وحضاريًا وتاريخيًا وتعمل على برنامج تواصلي  على كامل جغرافيا الوطن، كما هو الحال مع ” الاتحاد العام للكتاب الفلسطينيين الكرمل 48 ، وانا عضو قيادي فيه منذ التأسيس مرورًا بالوحدة وإلى اليوم، لم يسألني احد من القيادات السياسية الحالية عن الدّور والمكان والنّهج، لم يحاول أحد التّعرف لا من قريب ولا من بعيد على هذا الجسم الثّقافي الوحدوي النّاهض والّذي يهدف إلى إرساء ثقافة وطنية لأبناء شعبنا، لم تبق مدينة فلسطينية الا وتواصل مع مثقفيها وكتابها وأقام النّدوات واللقاءات، وهو يقوم بدور أقوى في التّواصل مع الأسرى في سجون الاحتلال حول كتاباتهم الأدبية وإيصال صوتهم إلى العلن رغم قضبان السّجن. فأين القائد الشّجاع من هذه الاجسام وكيف يتعامل معها، والمطلوب فقط دعمًا معنويًا وموقفًا مبدئيًا ومشاركة في نشاطات هذا الجسم وغيره.

ليس صوت النّاخب هو المُهم في حالة مجتمعنا المأزوم، بل الرّسالة والرّؤيا والطّريق الّذي يريد المرشح القائد ايصاله إلى الناخب، اذ لا يكفي أن تكون ابن عائلة، فقد خرجنا عن الطّوق وتجاوزنا مرحلة القبيلة، ولا يكفي أن تكون وسيمًا وصديقًا للجميع، لأنّ الأهم أن تكون صاحب مبدأ وموقف، صاحب قرار ورأي وتملك القوّة والعزيمة الشّخصيّة على التّنفيذ، لا يكفي القول فقط، وكفى الله المؤمنين شرّ القتال، بل يجب أن تكون صاحب عزم وعزيمة وصلابة رأي وموقف كي تنفذ ما تقول، باختصار لقد سئمنا السّطحية والتّسطيح فنحن بحاجة إلى عُمق وتنفيذ، بحاجة إلى قائد يقول أنا سأعمل ويعمل، لا أن يقول نزولا عند رغبة الجماهير، القائد يجب أن يقود النّاس إلى الطّريق السّليم ، وممنوع أن ينقاد خلف المُتسلقين والمُنتفعين والعصبويين، المنتفخين زعامة لا تُسمن ولا تُغني مِن جوع . نحن اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما فإما هذا أو الطوفان.

23.8.2023

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*