نبدأ كلمتنا بسؤال: هل هي وأخواتها اللواتي ينهي سعيد ياسين بهن نصوصه جملن نصوصه الغزلية وجعلن منها أكثر دسما وبصبغة وطنية، أم هي (محبوبته تلك المرأة) التي كتب عنها في المتن جملت النصوص الوطنية وجعلتها أكثر حلاوة في وقعها عند المتلقي؟
فبالرغم من ميل الكاتب للحديث عن محبوبته وعن الطبيعة في كتاباته الوجدانية إلا أنه كان دائم التفكير بوطنه وتكاد تشك وتتساءل … هل كتب سعيد ياسين نصوصا وطنية أم نصوصا غزلية في مقصده
الإجابة بالطبع عند المؤلف ولكني أسمح لنفسي فوق هذا المنبر أن أختلق حقائق أرجح إلى الظن بحجة القراءة النقدية
إن حبه لمحبوبته ووصفها بكل جميل إنما ينم عن خلفية سياسية واضحة وعن التداخل والحميمية ما بين الكاتب والوطن، الكاتب الذي يتغنى بعشقه للعودة، وإذ ما بحثنا عما يجعل الرأي سديدا. نلحظ تجليات الصيغ المكانية والصور الدالة على ذلك، كيف لا وهو الإنسان الذي عرف بموقفه، وهو الملتزم بقضايا شعبه ووطنه وهو الذي دافع عن حلمه وعن حق المهجرين في العودة عبر شخصه لمن يعرفه وعبر نصوصه وهو الرجل الثابت في مواقفه. فإن كانت الجبال تثبت الأرض فالوطنية تثبت الرجال.
لقد سكنت القضية وجدانه والظلم الواقع على أهالينا المهجرين قض مضجعه مما زادت من حرارة عاطفته وشحنت قلبه بدفقات وجدانية استطاع تمثيلها في وصف محبوبته
-مما يبين تأثر الكاتب من التيار الرومنسي وذلك بقصد أو بغير قصد إذ تغلب على الكتاب العواطف الجياشة، وقد يكون ذلك بسبب الظروف القاتمة وبسبب التهجير والواقع المرير الذي يضغط على كاهله ولا من مغيث فيهرع إلى الطبيعة ويلوذ بها متأملا متفلسفا ويسقط عليها من انفعالاته المضطربة فتصدر صورا رومنسية مستمدة من وجدانه الواعي والواقع المحيط بالمجتمع العربي
من أهم تمظهرات التيار الرومنسي والبارزة في هذا الإصدار: الميل للطبيعة، الشكوى والألم، الحنين إلى الماضي، التغني بالحب والجمال
بالنسبة للطبيعة:
لقد اتخذ الكاتب من الطبيعة أداة طيعة للتعبير عن مشاعره، فنجد من خلال هذه المشاهد ما يلتجئ إليه ليتمكن من التعبير عما يجول في صدره من هواجس تجعله قادرا على الإبانة عن عواطفه وانفعالاته فنراه يقف وقوف المفتون بالطبيعة حيث تمتزج بوجدانه وبهذا جاءت الصور المعبرة كثيفة مصورة للحالات الشعورية باختصار لأن الطبيعة مثلت صورة صادقة لموقفه
-مثال
“همس الفراشات وزقزقات العصافير ودغدغات الفرح وشوق الورد لحبات الندى وشجون الشجر لما تتساقط أوراق الشجر ”
ويقول “وعدتك ان أزرع قلبك حقولا من الياسمين وقلبك غابة سنابل حبلى بالأمنيات والأقحوان”
التغني بالحب والجمال:
مما لا شك فيه أن جذور الحب والمودة في كيان البشر من أقدم المشاعر والأحاسيس التي ترسخت في ذاتيته مما أدت إلى بلورة الأبعاد الوجدانية لديه وفي دراسة عبد القادر القط حول الاتجاه الوجداني أشار إلى مفهوم الحب وهو وسية للتعبير عن الهموم الذاتية والقضايا الملحة التي يشعر بها ومن الممكن أن يكون الحب دربا من دروب الخلاص ليلوذ بها الكاتب من واقعه المرير فيتعلق ويتشبث بالمرأة، الحب للكاتب اليد التي تمتد لتنتشله من وحدة الحياة
لقد اتخذ سعيد ياسين الحب والجمال أداة مطواعا ليمزج بين الحب والدخائل النفسية فتبدو صورته تارة هادئة وتارة صاخبة
مثال:
“وعدتك ان أزنر بالنجوم مقلتيك وحين أبرقَ في عينيك بريق الزمرد تاهت في المدى كل النجوم حبيبتي”
وعدتك ووعدتك ووعدتك تماما كما وعد نزار بلقيس وها هو سعيد ياسين يعد بلقيسه يعد وطنه ويعد المهجرين بعودتهم فالعودة لديه تبدو في الكثير من الأحيان أمرا محتوما…
ولا شك وأن هذه الكلمات على بساطتها تزخر بدفق عاطفي تبوح بلهفة الكاتب تتوق للقاء المحبوبة يلحظ عبرها القارئ أقصى درجات الأمل
الشعور بالغربة والضياع:
لقد تأثر الكاتب من الأوضاع السياسية والوطنية والظروف المحيطة
ومن يقرأ نتاجه يلحظ بأن التهجير جعله يشعر بالغربة والضياع
“أما انت غاليتي سأبكيكِ ثالثةً في محراب عشقنا”
“وانطلقت منه رصاصة أصابت فرحي فقتلته وبقيت أنا حيا لأموت مصلوبا على تابوت الفرح”
“غاليتي خانتني أمنياتي وقتلتْ بسرب الفراشات فراشتي الأجمل ليتك تعلمين”
الوطن:
-المكان الوطن بالنسبة للمبدع وهو جزء لا يتحزأ من الهوية، هو البؤرة الرمزية التي تستقطب تفاصيل الحياة
وكما يبدو واضحا من خلال الكتاب الذي أمامنا بأن الغربة الوطنية تحيط بالكاتب وحبل الود موصول برغم البعد والتهجير والحنين للعودة وانتظارها بلا اليأس
لقد لعب المكان الوطن دورا بارزا في إظهار الأشكال الفنية، والدلالات الشعرية المتعددة
“وطني باق لا يموت وأنا أموت ألف مرة لتزهر في وطني الحياة” هذا هو سعيد ياسين
“ويقول لم اجد أجمل من عينبك وطنا لشجوني”
الحنين إلى الماضي وسالف الأيام:
حينما تدغدغ ذكريات الأيام الماضية والصبا وجدان الكاتب الرومنسي ينتج الأدب المفعم بالحنين والعاطفة والذي يمثل ردة فعل أحدثتها تجربة اغتراب منعته من تحقيق آماله وبلوغ غاياته المنشودة،
إن اهتمام الكاتب بالقضايا الوطنية أدت للتحسر على الأيام الماضية ودفعت به مشاعر الحنين استدعاء الماضي ودفعت به أملا بعودة المهجرين
“ليتك تستعجلين اللقاء ليصير خفقان القلب شلالا لشذا الياسمين”
-وينهي أحد نصوصه: “غاليتي أنا لا أريد أن أتوقف عن مطاردة أحلامي الشقية لأني لا أريد أن أكبر أو أخسر متعة معاشرة ذلك المقعد المستظل تلك الخروبة”
-“وعلى ذات المقعد المستطلِ تلك الخروبة”
ويقول : “انتظرتك على حلم وموعد هناك”
نهاية يؤكد الكاتب عبر نصوصه بأننا أمام فضاء شعري خاص. يعتبر نفسه جزءا من الجرح العربي، وهو المسئول عن التئام هذا الجرح، وطنيته وحنينه للعودة أكثر وطأة من غيره.
وأختم ببعض من نصه الأول: حين ترأف بنا صدفة فنلتقي ذات مرة سوف لن نلتقي ولن نلتقي إلى الأبدْ…فهل سيلتقي مع محبوبته الافتراضيه هل سيعود أهالينا المهجرون؟